( فَرّقْ تَسُدْ ) هو مصطلح سياسيّ و عسكريّ و اقتصاديّ لاتينيّ الأصل Divide et Impera و هو استراتيجيّة
تستهدف زرع الخلاف بين عناصر التّكتل الواحد لإضعافه ثمّ استخدام قوّته للتّأثير
عليه.و قد يَعني،بصورة أخرى، تَشْتيت قوّة الخَصم،أو العدوّ، و تقسيمه إلى كُتَل و
أقسام مُبعثرة غير متّحدة ليَسهُل التّعامل مع كلّ كتلة أو قسم على حِدة و شلّ
حركته و القضاء عليه أو تَحْييده.و قد يُقصد بهذا المصطلح،أيضًا، تفريق القوّة
التي لم تَتّحِد بعدُ و تمزيقها و مَنعها من التّكتل و الاتّحاد.
و سياسة( فَرّقْ تَسُدْ ) قديمة قدم الإنسان يلجأ إليها المستبدّون و حكومات
الاستبداد الذين يَحتكرون السّلطة كما يلجأ إليها الاستعمار،و جهاتٌ عديدة، للقضاء
على كلّ مقاومة تهدّد مشروعهم أو خطر يهدّد وُجودهم.
إنّ سياسة ( فَرّقْ تَسُدْ ) سلاح قديم مضمون النّتائج في بعض الأحيان و
هو،أيضًا، سلاح فتّاك يستثمر كلَّ شيء و لا يمتنع عن الاستثمار في أيِّ شيء و هو
سلاح قليل الكُلفة و الجُهد مقارنةً بأسلحة أخرى و جهود.
و تعتمد سياسة ( فَرّقْ تَسُدْ ) للقضاء على الخصم و القوّة المنافسة على
مجموعة من الوسائل و الآليات منها الحرب النّفسية و نشر الشّوائع و الأكاذيب و
الأوهام و تعميم الكراهية و الشّكوك بإشعال فتيل الطّائفية و الجهويّة و تضخيم
الخلافات الدّينية و العرقيّة و تذكية الصّراع الإيديولوجيّ و الصّراع حول اللّغة
و الهويّة...
و قد تلجأ سياسة ( فَرّقْ تَسُدْ ) إلى توسيع دائرتها و بَسط نفوذها متوسّلةً
بوسائل أخرى كصناعة الولاءات و شراء الذِّمم و التّأييد الصّامت أو النّاطق عن
طريق مَنح المناصب و العناوين و توزيع الأموال و الغنائم و الامتيازات على شخصيّات
داخل القُوَى المُراد هَدمُها و تَفْتيتها أو خارج هذه القُوَى و تتولَّى هذه
الشّخصيّات جميعًا مُهمّات التّرغيب و التّرهيب و الحرب النّفسية و الكذب و زرع
الشّكوك و توسيع هوّة الخلافات...
و السّؤال هو: هل تنجح سياسة ( فَرّقْ تَسُدْ ) دائمًا ؟
هذا الأمر و الجواب عليه يتوقّف على مجموعة أمور في مقدّمتها موقفُ الجهة
المقابلة المُراد تفريقُها و تمزيقُ وحدتها و فَهْمُها لما يُراد لها.فلا تستطيع
هذه السّياسة،مثلاً، أنْ تحقّق أهدافها إذا كانت القوّة المُستهدفة تتوفّر على
شخصيّات ذات سلطة معنويّة تحظى بالاحترام و التأييد الواسع و تملك الوعي الكافي و
القدرة الظّاهرة على التّصدي لهذه السّياسة بذكاء.و أوّل مظاهر هذا الوعي و القدرة
هو مُسارعتُها للتّوحد و التّكتل بأيِّ شكل من الأشكال،مقاوَمةً لهذه السّياسة أو
مُجاراةً لها، للتّخفيف من آثار هذا الهجوم النّفسية و الواقعيّة و الآنية أو
المستقبلية.