22 فبراير 2019 - 22
فبراير 2020: الحراك الشّعبيّ الجزائريّ في عامه الأوّل.
هناك مجموعة نقاط و أوصاف يمكن استفادتها من هذا الحراك
الشّعبيّ السّلمي الحاصل،في الجزائر منذ فبراير 2019.
1- أُولى أوصاف هذا الحراك أنه حركة أفقيّة يستمدّ قوّته
و عُمقه من أفقيّته و انتشاره.فقد شاركت في هذه الاحتجاجات كلّ فئات الشّعب
بانتماءاتها المهنيّة و التّعليمية و السّياسية المختلفة:الرّجال و النّساء و
الشّباب و الكهول و الشّيوخ و العجائز الأطفال و حتىّ الرّضع.
و كلّ هذه الجُموع تُعلن صرختها مدوّيةً أنّ الجزائر
ليست مَريضة بِدينها أو بهويّتها و إنّما هي مريضة بنظامها.و كلّ هذه الجموع تسير
نحو غاية واحدة،و هي مُصمّمة عليها، و هي إنقاذ الجزائر من هذا النّظام اللّئيم
الذي باع الجزائر في المزاد الرّخيص و أهان شعبًا بأكمله حين سَلبه حرّيته و
اختياره.
2- أكّد الجزائريّون،من خلال هذه الاحتجاجات السّلميةّ،
أنّهم شعب واحد و يَأْلَمون لمأساة وطن واحد هو وطنهم جميعًا و أنّهم ليسوا أعداءً
متناحرين و أنّ وحدتهم واجبة حين يشعرون بالخطر الدّاهِم.و قد أثبتت هذه المشاهد
الكبرى في الحراك كَذب و ادّعاءات النّظام القائم الذي سَعى،منذ الاستقلال، إلى
زَرع بذور التّفرقة و الفتنة بين الجزائريّين و تصنيفهم إلى طوائف و جهات: عربيّ و
أمازيغيّ و شاويّ و علمانيّ و إسلاميّ و فرانكفونيّ و وطنيّ...و قد كانت غاية هذا
الكَيد هي تحقيق السّيطرة و التّحكم تبعًا للقاعدة المشهورة: فرّقْ تَسُدْ.و لكنّ
الجزائريّين أثبتوا،من خلال هذا الحراك و من خلال تلاحُمهم و امتزاجهم، أنهم أكْبر
من هذه التّفرقة و أنهم قادرون على العَيش معًا و التّفكير معًا في مستقبل هذا
الوطن و أنهم ليسوا أعداءً و ليسوا طوائف متناحرين.
3- ميزة أخرى،في هذه الاحتجاجات
الشّعبية، هي مشاركة المرأة بشكل فعّال.و إنّ هذا الحضور النّسوي الواسع لهو سلوك
نوعيّ و إعلان بأنها ليست ناقصة وَعي أو ناقصة تأثير.و إنّ مشاركة النّساء من
مختلف الأعمار، في هذا الاحتجاجات، مع الأطفال و الرّضع أحيانًا لدليل قاطع أنّ
هناك تحوّلاً كبيرًا قد حدث في جزائر الألفيّة الثّالثة و أنّ هناك وَعيًا جديدًا
يُولد أُريد له أنْ يبقَى مدفونًا.و كأنّ هؤلاء النّسوة بهذه المشاركات الواسعة و
بهذا السّلوك النّوعي يؤكّدْن أنّ مستقبل الجزائر لن يُبنَى في غَيبتهنّ.
4- و لم يَفُت هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،كذلك، أنْ تكشف هشاشة
هذا النّظام المُهترئ الذي يعيش في الماضي بعدما انتهت صلاحيّته و استنفد أغراضه و
لم يَعُد نظامًا صالحًا لقيادة الجزائر و مواكبة مستويات الوعي المتقدّمة التي
يتمتّع بها قطاعات واسعة من أجيال الاستقلال.و كذلك كشفت هذه الاحتجاجات الشّعبيّة
أنّ هذا النّظام مُصاب بجنون العظمة و لم يتخلَّ عن نَرجسيَّته و هو يخاف من
الحوار و يخاف من الاستماع إلى الرّأي الآخر بل يخاف من الاعتراف بوجود الكلمة الأخرى لأنه نظام لا يَشعر بقوَّته و لا
يَجد نَشوته و لا يَسْتمتع بوجوده إلاّ حين يحاور نفسه و يكون مُستمعًا لنفسه.
5- و قد استطاعت هذه الاحتجاجات
الشّعبية،أيضًا، أنْ تُخرج إلى العَلن شخصيّات متميّزة و تُبرز طاقات و مواهب ما
كان مسموحًا لها أنْ تظهر،من قبلُ، بسبب سياسات التّعتيم المُمَنهج و عمليّات الإقصاء
و التّهميش المنظّم التي جعلت الرّداءة،و الرّداءة وحدها، هي القيمة الوحيدة التي
تَحظَى بالقبول و الانتشار وتفوز بالإشادة و التّكريم.و بسبب هذا الحراك بدأ
الجزائريّون يكتشفون أنفسهم و يكتشفون بعضهم بعضًا و يطّلعون على الأفكار المختلفة
و المواقف المتباينة و كأنهم كانوا يعيشون،من قبلُ، في جزر نائيّة أو في حَبس
شديد.
و هذه الطّاقات و المواهب المختلفة التي أثْمرت في هذا
الرّبيع الجزائريّ مُنتَظر منها أنْ تُثبت كفاءتها فتكون هي القيادات المُعوَّل
عليها لانتشال الجزائر من وَهْدتها و إخراجها من غَيْبوبتها التي تسبَّب فيها هذا
النّظام الذي أهانها و ما أكرمها.
6- و السّلمية التي جاد بها الحراك و وُلدت في رَحِمه منذ
22/02/2019 هي إضافة نوعيّة لبناء الجزائر الجديدة.و هذه السّلمية هي الوجه
النّاصع للجزائر في مقابل العنف الذي هو طبيعة هذا النّظام منذ الاستقلال.و قد
تضاعف هذا العنف و اتّخذ أشكالاً همجيّة مختلفة في فترة تسعينيّات القرن الماضي فخلّف
قوافل من الضّحايا و الثّكالى و المفقودين.إنّ هذه السّلمية التي وُلدت في رَحم
الحراك هي الوجه الواعد للجزائر و هي مستقبل الجزائر.
7- و كذلك أثبت
الحراك أنّ حبّ الجزائر و مصلحتها العُليا هي العاطفة القويّة و هي الإسمنت
المسلَّح الذي يشدّ أعضاءه بعضهم إلى بعض.و التّعويل على هذه العاطفة القويّة التي
تَسكن قلوب الجزائريِّين و الجزائريّات و تنميتها و الاستثمار فيها هو الوقود الذي
يحرّك كلّ الطّاقات و يُفجّر كلّ المواهب و يُعيد إلى الجزائر هَيْبتها و مكانتها
التي تَليق بها بين الدّول.