الاثنين، 18 أكتوبر 2021

محمّدٌ رسولُ الله...

لقد استمعتُ،في بعض الأحيان، إلى بعض الخطباء في المساجد أو في النّدوات أو في وسائل الإعلام و هم يتحدّثون عن شخصيّة محمّد صلّى الله و سلّم فلم أجِد لكلامهم صدًى في نفسي و لم أشعر بارتباط قويّ أو بصلة حيّة بيني و بين السّيد الجليل محمّد بن عبد الله و كأنّهم يتحدّثون عن شخص بعيد لا أعرفه أو عن قريب لا أذكره.إنّهم يتحدّثون عن شخصيّة محمّد صلّى الله و سلّم حديثًا باردًا باهتًا ناقصًا غير مَكمول لا يتناول الأبعاد المختلفة لهذه الشّخصيّة و لا يكشف عن عُمق إنسانيّتها و عِظم عطائها و ضخامة مسارها.و يَقوَى الاعتقاد عندي أنّ تخلّف هذا الخطاب عن الأداء الجميل و قصوره عن بلوغ الغاية في هذا الموضوع سببُه أمران اثنان.

أمّا الأمر الأوّل فإنّ معظم هؤلاء الخطباء و الأساتذة لا يتحدّثون،كما هو مَأمول، عن محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم الإنسان الذي كان يأكل الطّعام و يمشي في الأسواق و يعيش إنسانيّته كاملةً غير منقوصة.و بعبارة أخرى فهُمْ لا يتحدّثون عن سلوكه و أعماله داخل البيت مع أهله و أزواجه و طعامِه و شرابه و زِينته و لباسه و لا يتحدّثون عن مواقفه و أحواله خارج البيت مع أصحابه و أقربائه و مع خصومه و أعدائه و في سياسته و اقتصاده و في حَربه و سِلمه و في غَضبته و حِلمه و في فرحته و حزنه و في سائر حركته و سُكونه.

إنّ غالبيّة الذين يتحدّثون عن محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم يتوسّعون في الجانب الرّسالي لهذه الشّخصية العظيمة و يُغفلون أو يقصّرون أو يَستنكفون،ابتداء، عن الوقوف عند جانبها الإنسانيّ و كأنّهم يجدون حَرَجًا أو لا يَرَون لهذا الأمر من فائدة تُجْنَى أو أهمّية تُرتَجَى.و  لقد فاتَ هؤلاء السّادة أن يُدركوا أنّ الجمع بين الجانبين كليهما هو الصّواب و هو المأمول و أنّ تناول هذه الشّخصيّة العظيمة في بُعدها الإنسانيّ التّرابي الذي ننتمي إليه و في بُعدها الرّسالي الغَيبيّ الذي نتطلّع إليه هو الذي يُسهِّل اقترابنا من شخصيّة محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم حين تصبح،في وعينا و في حضورنا، شخصيّة إنسانيّة متميّزة تتعايش مع الملأ الأدنَى بكامل إنسانيّتها و تتواصل،في الوقت نفسه، مع الملأ الأعلى بفَيْض روحانيّتها.و مثلُ هذا المنهج الذي يتناول شخصيّة محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم على أنّه إنسان كامل الإنسانيّة يمارس إنسانيّته كاملةً فوق الأرض و رُوحُه سابحة في عالم الغَيب و الملكوت هو الذي يجعل،أيضًا، بيننا و بين محمّد بن عبد الله إنسانًا و رسولاً صِلةً حيّة و نَسَبًا قويًّا فنكون،حينئذٍ، أقرب إليه من أنفسنا حبيبًا إلى ذواتنا نتأسَّى به و نتّبعه.

و أمّا الأمر الثّاني فإنّ أيّ حديث عن محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم لا يُزهر و لا يُثمر إلاّ إذا كان الحبّ هو لغته و هو مادّته و هو وسيلته.هذا الحبّ الذي كان هو صلّى الله عليه و سلّم  منبعه و مصدره و كان هو،أيضًا، مَجْلاه و مظهره.

و لقد استمعتُ،يومًا، إلى أحد المُدمنين على الخمر و هو يتحدّث،في صَحْوه، عن شخصيّة النّبي صلّى الله عليه و سلّم فاستجابت لحديثه روحي و رقَّتْ نفسي و تحرّكت عواطفي و حينئذٍ تأكّد لديَّ،من جديد، أنّ المظاهر ليست مخابر و أنّ الحبّ مطيّة و مفتاح و أنّ الحبّ لا يكون،دائمًا، في المكان الذي يُظَنّ وجودُه فيه و أنّ الذي ذاق حجّةٌ على الذي لم يَذُق. 

إنّ الحبّ،في هذا المقام و في كلّ المقامات، هو الذي يختصر المسافات و يَكسر العقبات و يُزيل الغشاوات و يَهَب صاحبه روحًا متوقِّدة تُؤْتَى القدرة على الوصول إلى المعرفة الصّحيحة و بلوغ الفهم الجميل و تحقيق التّواصل العميق و شفافيّةً تصحّح الرّؤيا و تُعلن ما خَفِي و تكشف ما بَطَن.

محمّد رسول الله...الجانب الإنسانيّ التّرابي و الجانب الرّسالي الغَيبيّ كلاهما متضَمَّنٌ في اسمه و لقبه: محمّدٌ الاسمُ الذي يدلّ على الإنسان و أصله التّرابي.و رسولُ الله اللّقبُ الذي يشير إلى الرّسالة و بُعدها الغَيبيّ.و هذا الجانب الإنسانيّ التّرابي و الجانب الرّسالي الغَيبيّ كلاهما منصوص عليه في القرآن رَسْمًا و معنًى.

و إذا كان الجانب الإنسانيّ و الجانب الرّسالي الغَيبيّ قد امتزجا امتزاجًا قويًّا في شخصيّة محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و سلّم مدّة ثلاثة و عشرين عامًا فإنّ تضخيم هذا الجانب على حساب الآخر أو طَيّ أحدهما و نشر الآخر يَحجب الرّؤيا و يُشوّش الفهم و يَأفكُنا عن الإحاطة بأبعاد هذه الشّخصيّة العظيمة و حركتها الضّخمة في مجالها الكونيّ الحيويّ الكبير و هو،من قبلُ و من بعد، منهج خاطئ و سلوك مخالف لروح النّص القرآنيّ الذي رفع منزلة محمّد النّبي العربيّ بين سائر الأنبياء و الرّسل فكان نَسيجَ وَحْدِه و أشاد بإنسانيّته السّامقة و روحانيّته الفائقة. 



 

السبت، 9 أكتوبر 2021

القمّة 28 لمنتدى فرنسا- إفريقيا: تجديد الهيمنة و استعادة النّفوذ

                             

  افتُتحت يوم الجمعة 08 أكتوبر 2021في جنوب فرنسا، أشغال القمّة 28 لمنتدى إفريقيافرنسا بحضور أكثر من 2000 مشارك منهم 700 من إفريقيا.و لم يُدعَ لهذه القمّة أيّ رئيس في إفريقيا أو أيّ سلطة رسميّة أخرى و هذا هو الأمر الجديد،في هذه القمّة، الذي لم يحدث منذ سنة 1973.أمّا المشاركون فهم فئات من الشّباب من إفريقيا و فرنسا من قطاعات مختلفة كقطاع الأعمال و الثّقافة و قطاع الرّياضة و الفنّ و الإبداع...يتبادلون المواقف و الأفكار في مواضيع محدّدة كالتّعليم العالي و البحث و الابتكار و الثّقافة و الرّياضة...و تستهدف هذه القمّة،كما أُعلن عنه رسميًّا، التّفكير في الآليات الجديدة التي ينبغي تبنّيها لتجديد العلاقة بين فرنسا و إفريقيا و الإجراءات القادرة على إعطاء نفَس جديد لهذا التّجمع السّياسي.

هذا هو الظّاهر عن هذه القمّة و المكشوف منها فما الذي وراءها من خفايا و مدسوس ؟

إنّ هذه القمّة و صيغتها الجديدة و الفئات التي استهدفتها و المحاور التي تناولتها لا يمكن فهمها جيّدًا و تحليل أسبابها و أبعادها إلاّ في إطار المتغيّرات الكبرى التي تحدث على المستوى الإقليميّ و الدّوليّ.و يمكن توضيح هذا الأمر في بعض النّقاط التّالية:

1- تستهدف هذه القمّة بصيغتها الجديدة،في المقام الأوّل، البحث عن عذريّة جديدة لفرنسا بعد موجات الاحتجاجات الشّعبيّة الكبرى ضدّ سياساتها،في إفريقيا، القائمة على السّلب و النّهب و التّدخل السّافر و صناعة التّخلف و الفقر و التّبعية و التّجهيل...

2- تغييب فرنسا لرؤساء الدّول و الهيئات الرّسميّة الإفريقيّة عن هذه القمّة هو محاولة لتلميع صورتها و كسب نوع من التّعاطف لدى الشّباب الإفريقيّ و هيئات المجتمع المدنيّ،في إفريقيا، باستحداث « قمّة معكوسة » تشارك فيها فئات من هذه المجتمعات لم تكن تحظى،من قبل، بالتّمثيل و الحضور.و هي تتوسّل لبلوغ هذه الغاية بالقوّة النّاعمة ذات التّأثير الخفيّ الواسع المضمون على المديَين المتوسّط و البعيد.  

3- تجيء هذه القمّة بصيغتها الجديدة بعد تنامي الحضور الأجنبيّ المنافس في القارّة الإفريقيّة    و منطقة البحر الأبيض المتوسّط و المتمثّل في التّوسع الصّيني الذي يتمدّد مقابل المليارات و الاستثمارات و كذلك النّفوذ الرّوسي و التّركي الذي بدأ في التّقوي و الاستعلان.

إنّ هذه القمّة بصيغتها الجديدة،كالقمم التي سبقتها، لن تغيّر من موقف الشّعوب الإفريقيّة من فرنسا و لن تجدِّد شيئًا في العلاقة بين فرنسا و إفريقيا لأنّ مشكلة فرنسا الأولى هو هذا الفكر الاستعماريّ التي لا يزال يحكم سياستها الخارجيّة و علاقاتها المختلفة مع دول إفريقيا و الذي كان سبب كثير من الحُطام و الخراب الذي لحق هذه القارّة.

إنّ القمّة الثّامنة و العشرين لمنتدى فرنسا- إفريقيا ليس بحَدث يُؤَمَّل شيء من ورائه لأنّه محاولة للتّلهية و التّخدير و محاولة لتجديد الهيمنة و استعادة النّفوذ 

                                                  
                               
  

الاثنين، 4 أكتوبر 2021

الخَلق المستمرّ

الحياةُ حياتان: حياة عاديّة سطحيّة باردة كئيبة لا بَنَّةَ لها و لا طَعمَ و لا لون    و هي شبيهة،إلى حدّ كبير، بحياة القطيع و الحيوان.و هنالك الحياة الأخرى التي تُشْبِعُك و تَستَوعبُك و تملأ أعصابك و خلاياك حين تقوم بتوليد المقاصد و تجديد الغايات و تكون أنت و كَينونتك في خَلْق مُستمرّ فتذوق مِن العواطف القويّة ما تَذوق و من الآلام الكُبرى و اللّذات و ما يَنشأ عن هذه و تلك مِن معانٍ و دلالات و ما تُخلِّفه،هذه التّجارب و الأحداث، مِن آثار و عَقابيل أو ما تُرسِّخه،في أعماق النّفس، من قوّة و إيمان و رجاحة و اكتمال و بَصيرة و إبصار و عِناد و تَصميم...

حين تكون حياتُك هي خَلْقٌ مستمرّ في كلّ وَضْع و حِين: في الصّباح و المساء و في اللّحظة و ما بَعد الحِين و في اليوم و الغَد و في الصّحة و المرض و في الفَقر و الغِنَى و في الوَجْد و الفَقْد و في النَّهضة و السّقوط و في الخَلْوة و الجَلْوة و في الفَرحة و الحزن و في اللّذة و الألم...

و حين تكون تَجلِّياتُ هذا الخلق المستمرّ غالبة في الشّعور و الوجدان و في الهواجس و الخواطر و في الخَفايا و الحَنايا و طافحة في المواقف و الأفكار و في المقاصد و النِّيات و في العزيمة و الإرادات...

حين تكون حياتُك هي هذا الخلق المستمرّ في كلّ الأزمنة و الأودية و في كلّ الأوضاع و الأحوال و تكون تَجلِّياتُها غالبة طافحة فإنّها تكون،حينئذ، حياةً أكبر من مجرّد حياة و أعمق سَيلاً و أكثرَ جاذبيّة و أوسعَ تأثيرًا.

و هذا الخلْق المستمرّ هو الذي يَخْلُقك،دائمًا، خَلقًا آخر و هو الذي يَهَبُ لحياتك طَعمًا و بنَّة و لَونًا و هو الذي يُجدِّدك و يُؤكِّدُك و هو الذي يُحْييك و يُنمِّيك

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/