قُتل جمال بن اسماعيل و هو في عقده الثّالث يفيض حبًّا و حياةً و يتدفّق حركة و عطاءً و يَنضح طموحًا و آمالاً...قُتل جمال بن اسماعيل مظلومًا مغدورًا قِتلة بشعةً همجيَّة قد تتجاوز في بشاعتها و همجيّتها جرائم كبار السّفاحين و الهَمَجيِّين في العصر الحديث...
كيف كان شعورك،يا جمال، و أنت في وسط هذه الحشود المتوحِّشة التي التفّت حولك
بالضّرب الحاقد و الدَّوْس و العَفْس و السّب اللاّذع و الإهانات و الاعتداء
المسلَّح المُميت...كأنّهم تلقَّوا دعوة أو كانوا على موعد سابق أو اتّفاق.و كيف
كان شعورك،يا جمال، و أنت تواجه هذه الحشود الهَمجيّة في قوّة و ثبات بما بَقِي في
صدرك مِن نَفَس يتردّد و صَوت و كلمات مُعلنًا براءتك متكبِّرًا على حقدهم و
وَحشيّتهم و همجيَّتهم...
و كيف كان شعور هذه الحشود المتوحِّشة التي لم يُشْبِع حقدَها موتُك
فالتفّت،مرّة أخرى، حول جسدك الطّاهر تمزّقه و تَنْهَشه كما تَنهش الضِّباع لَحْم
فريستها ؟ و كيف كان شعور هذه الحشود الهَمجيّة،و هي تتصايح كالضِّباع، و تتنادَى
للتّمثيل بجُثّتك الهامدة أبشع تمثيل و التّلذذ بمشهد جسدك الطّاهر و هو يحترق ؟
لقد تمّ اختيارك،يا جمال، لأنْ تُقتل.و لقد كنتَ « مُبرمَجًا » لأنْ تُقتل
بهذه الطّريقة الهمجيّة التي لم يُفعل مثلها في البلاد.
و لكن لماذا قُتل جمال بن اسماعيل هذه القِتلة الهمجيَّة ؟
قُتل جمال هذه القِتلة الهمجيَّة لأنه يمثّل جدار التّضامن الوطنيّ الذي يُراد
له أن يَسقط و لكنّه لم يتساقط بعدُ.و يمثّل هذه الرّوح الجزائريّة المشتعلة التي
تَهُبّ في وقت الشّدائد و الطّوارئ إلى التّعاون و التّآزر و التّكاتف و التّعاضد
و التّعاطف و المواساة كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائر الجسد
بالسَّهر و الحُمَّى...
قُتل جمال هذه القِتلة الهمجيَّة لأنه يمثّل صخرة الوحدة الوطنيّة التي تنكسر
عندها كلّ أمواج الضّغائن و الأحقاد و محاولات التّفرقة و التّقسيم و كلّ مخطّطات
الفوضى و الخراب و سيناريوهات الدّماء و الأشلاء و الدّموع و الأحزان...
قُتل جمال هذه القِتلة الهمجيَّة لأنه رمزٌ لهذه الجزائر المُثْخَنة بالجراح و
المُثْقلة بالسّلاسل و الأوهاق و لكنّها تتأبَّى،دائمًا، على السّقوط و
تَستَعصي،أبدًا، على الانكسار.
قُتل جمال هذه القِتلة الهمجيَّة لأنه مِثال لهذه الرّوح الجزائريّة المؤمنة
التي تفيض إيمانًا و حركة و اشتعالاً...هذه الرّوح المؤمنة التي تحبّ الوطن و
تغنّي للوطن لأنّها تعلم أنّه من الإيمان حبّ الوطن.هذه الرّوح المؤمنة التي تحبّ
الحياة و تتشبّث بالحياة و تنتعش بالأمل و تتطلّع إلى الغد الجميل رغم الظّروف
القاسية و رغم كلّ الطّوارئ و النّوازل و الأزمات و العداوات...
و السّؤال الذي يبقى قائمًا مُلحًّا يطلب إجابته هو: من قتل جمال بن اسماعيل ؟
و من « بَرْمج » مَوته و هيّأ الأدوات الحاقدة المتوحِّشة لتنفيذ هذه الجريمة
الهَمَجيّة ؟
نَمْ هنيئًا يا جمال فإذا لم تَنتقم لك عدالة الأرض فإنّ الله الذي حرّم
الظّلم على نفسه سينتقم لك اليوم قبل الغد.