من هو المثقَّف ؟
للإجابة على هذا السّؤال،في جُمَل قليلات مُكثَّفات،
ينبغي الابتعادُ،قليلاً، عن تعريف أنطونيو غرامشي ( 1891 – 1937 ) Antonio Gramshi الذي يجعل المثقَّفَ العضويّ،كما
يسمِّيه، عضوًا متَّصلاً بطبقته اتّصال العضو بالجسد يَمنحها وَعيًا بمهامّها و
يَصوغ أفكارها و يصنع مواقفها من العالم و
الأحداث.و المثقَّف العضويّ،عند غرامشي، إنسان لا تتجاوز إنسانيّتُه انتماءه
الإيديولوجيّ و طبقته الاجتماعيّة ضيِّقَ الفكر و ضيِّق الفضاء محكومًا بسلاسل
طبقته الماركسيّة مَهْووسًا بمصالحها لا يبغي عنها حِوَلاً.
فَمَن هو المثقَّف إذَنْ ؟
المثقَّف
هو إنسانٌ ذو انتماءَين كبيرَين لَيْسَا متناقضَين: انتماؤه إلى الوطن و المجتمع
الذي يعيش فيه صباحَ مساء و انتماؤه إلى المجتمع الإنسانيّ الكبير الذي يتقاسم معه
الإنسانيّة و وحدة المصدر و وحدة المصير.و هو،بهذا الوَصف، ينتمي إلى فضاء
الإنسانيّة الواسع و يمارس إنسانيّته كاملةً حرًّا كما خلقه الله متخلِّصًا من كلّ
الانتماءات الضّيقة و المطامع و القيود و الأوْهاق...
و المثقَّف
صاحبُ موقف و صاحب رؤيا و مجالُ اهتمامه هو النّشاط العقليّ و إنتاج الأفكار و هو مُشارك
في الحياة العامّة يُعاني أوضاعَ المجتمع الذي يعيش فيه و يُعاني أوضاع العالم
الذي ينتمي إليه بفاعليّة و اقتدار بعيدًا عن السّلبية و الانطواء.
و
المثقّف لا يتقلّد مسؤوليّات في الحياة العامّة و ليس خادمًا للسّلطة القائمة أو
موظَّفًا عندها أو مُطَبِّلاً لها،و قد يلتقي
معها،
و
ليس مَعنيًّا بثقافة الصّالونات و القاعات المكيَّفة و ثقافة المناسبات و
الاستجداء.و تتجاوز اهتماماتُه روابط الأرض و العِرض و البشرة و اللّون و العاطفة و
الوجدان و يتولَّى الدّفاع عن القيم الإنسانيّة الخالدة و الإعلان عن مواقفه و
إبداء آرائه و تحليلاته في قضايا مختلفة في مجتمعه و في العالم.