الخميس، 24 فبراير 2022

الأزمة الأوكرانيّة

 

أوكرانيا هي أكبر دولة أروبّية مساحةً: 603.628 كلم مربّع و عدد سكّانها يتجاوز 41 مليون نسمة و هي تقع بكلّيتها داخل القارّة الأروبية.و قد أصبحت دولة مستقلّة سنة 1991 بعد سقوط المنظومة الشّيوعية و تفكّك الاتّحاد السّوفياتي سابقًا.و أوكرانيا عضو في المجلس الأروبّي و هي لا تفتأ،منذ 2013، تطلب الانضمام إلى الاتّحاد الأروبّي لأنّها ستكون،حينئذ، الدّرع الواقي لأوروبّا ضدّ روسيا كما يقول زيلنسكي الرّئيس الأوكرانيّ صراحةً.و هذا السّعي هو الذي تعارضه روسيا  و تعمل على إفشاله و هو سبب الاحتجاجات الدّامية التي بدأت في أوائل سنة 2013.

و أوكرانيا،باللّغة الرّوسية، معناها البلد الحدوديّ.و يُشار إليها،في بعض الكتابات السّياسية، على أنّها دولة عازلة أو دولة حاجزة Buffer State و هو مصطلح بدأ استعماله منذ القرن السّابع عشر في خضمّ سعي الدّول الكبرى،آنذاك، إلى استكشاف الأراضي و الأقاليم و احتلالها.و يعني هذا المصطلح الدّولة التي تقع بين دولتين أو أكثر من الدّول الكبرى المتصارعة.و طبيعة الدّولة العازلة أو الدّولة الحاجزة، حين تكون مستقلّة، أن تتّبع سياسة الحياد لتحافظ على وجودها و تمنع استفحال النّزاعات بين هذه القوى الكبرى التي تنتعش في محيطها.

و لكنّ أوكرانيا بسبب التّاريخ و الجغرافيا و بسبب الاستراتيجيا،أيضًا، اختارت أن تتخلّص من عقابيل ماضيها السّوفياتي و من أوهاق الدّب الرّوسي و أن تكون قبلتها هي أروبّا و أن يصبح مستقبلها هو الانضمام إلى الاتّحاد الأروبّي و الحلف الأطلسيّ و هو أمر منصوص عليه في دستورها.و هذا هو أحد أسباب فصول مأساتها التي لم تَنته منذ 2014 حين أقدمت موسكو على احتلال جزيرة القرم الأوكرانيّة ذات المنافذ البحريّة و ضمّها إلى السّيادة الرّوسية.      

و إنّ الصّراع الذي يتصاعد،هذه الأيّام، و تشتدّ حدّته على أنقاض الأزمة في أوكرانيا له علاقة مباشرة بهذا البلد لأنه مركز هذا الصّراع و مسرحه.و لكنّ له علاقة وثيقة،أيضًا، بالصّراع حول ترتيب الأوراق و توسيع مناطق النّفوذ في أوروبّا عمومًا و في أروبّا الشّرقية خصوصًا بين الحلف الأطلسيّ بقيادة الولايات المتّحدة من جهة و روسيا الاتّحادية ذات الأطماع القيصريّة من جهة أخرى.و إنّ الأحداث المتسارعة و الماضي بحمولته و المستقبل بتطلّعاته و مخاوفه و الجغرافيا  و الاسترتيجيا كلّ أولئك هو الذي جعل أوكرانيا،هذا البلد الكبير في أروبّا، ساحة كبرى تُدَقّ فيها طبول الحرب و تستعلن هذه الإرادات المتصارعة.

و لفهم أسباب ما يجري،اليوم، ينبغي العودة إلى سنة 2013 حين قامت الحكومة،التّابعة لموسكو آنذاك، بإلغاء اتّفاق شراكة سابق مع الاتّحاد الأروبّي و تعويضه باتّفاق مع روسيا.و أعقب هذا الإلغاء حركاتُ احتجاج شعبيّة واسعة دامت أكثر من 90 يومًا اتّهمت روسيا القوى الغربيّة بإشعالها و كان حصيلة هذه الاحتجاجات الشعبيّة أكثر من 100 قتيل وسقوط الحكم الموالي لروسيا.و في جوان 2020 أصبحت أوكرانيا واحدًا من ستّ دول مؤهَّلة للانضمام للحلف للأطلسيّ و تضاعف،منذ ذلك الحين، التّعاون العسكريّ بين حلف النّاتو و أوكرانيا.

و في ظلّ هذه الأجواء المشحونة بالتّوجس و الشّكوك و الحذر طالبت روسيا بضمانات مكتوبة يتعهّد فيها الحلف الأطلسيّ و الولايات المتّحدة بتجميد توسّع الحلف شرقًا و انسحاب القوّات الغربيّة من دول أوروبّا الشّرقية وإعادة الأسلحة النّووية الأمريكيّة المنتشرة في أوروبا و قامت،في الوقت نفسه، بنشر قوّات عسكريّة كثيفة مع معدّات ثقيلة على حدودها مع أوكرانيا منذ نوفمبر الماضي.و الذي زاد هذه الأزمة تعقيدًا إعلان روسيا الأخير الاعتراف بمقاطعتَي الدّومباس ذواتَي الانتماء الرّوسي و الواقعتَين تحت السّيادة الأوكرانيّة و اللّتين كانتا قد أعلنتا انفصالهما عن الحكم المركزيّ منذ 2014.

و إذا كان بعض المحلّلين يستبعدون قيام روسيا بغزو الأراضي الأوكرانية فإنّ إعلانها الاعتراف بمقاطعتَي الدّومباس الانفصاليّتَين و ضمّهما إلى سيادتها يُعَدّ انتصارًا كبيرًا فاجأ الولايات المتّحدة و الأروبّيين اللّذين ليسا مستعدَّين للقتال من أجل أوكرانيا التي ستواجه وحدها شتاء طويلاً باردًا.

و في انتظار أن تحقّق روسيا القيصريّة أو روسيا السّوفياتية المتَّهَمة بمحاولة تفكيك المنظومة الأمنيّة في أروبّا انتصارَها الآخر الذي تتطلّع إليه و تحصل على ضمانات مكتوبة أو ضمنيّة غير معلنة أو تمنع بالقوّة العسكريّة توسّع الحلف الأطلسيّ في مناطق نفوذها التّاريخي فإنّ الأزمة الأوكرانيّة تثبت،مرّة أخرى، أنّ القوّة،و القوّة وحدها، هي التي تحكم العلاقات الدّوليّة في عالم مضطرب لا مكانة فيه للمتردّد و لا قيمة فيه للضّعيف إلاّ بمقدار طواعيّته و استسلامه.

https://www.elhiwar.dz/journal/226985

  

 

    




اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/