الابتلاء ألوان و مستويات: فقد تحتمل النّفس ألوانًا منه
فتُكابده و تُعانيه و تُقاومه و تُجاريه حين يأخذ هذا الابتلاء من حظوظ هذه النّفس
في الصّحة و الرّاحة و المال...و لكنّ هذا الابتلاء قد يَعْظم بل يتعاظم و يصبح
ابتلاء فوق الواقع و أكبر من المُستطاع حين يكون أمرًا بذبح الابن فَلْذةِ الكبد و
زينةِ الدّنيا و مُتعة الرّوح !
إبراهيم الخليل،عليه الصّلاة و السّلام، أُمِر بذَبح
ابنه الذي بلغ معه السَّعْي،أيْ شبَّ فأصبح ذا سَعْي و نَفْع لوالده، فلم يُطِعْ
فقط و لم يَستجب فحسب بل أسْلم هو و ابنُه أيْ انْقاد و خضع.و الانقياد و الخضوع درجة،أو
درجات، فوق الطّاعة العاديّة و الاستجابة المعهودة.
هذا الابتلاء الكُبّار الذي تعرّض له إبراهيم الخليل و
نجح فيه نجاحًا يُعلّمنا درسًا كبيرًا في الحياة و هو أنّ العطاء يكون،دائمًا، في مستوى البلاء و
أنّ المِنّة و الرّضوان تكون كِفاءً للصّبر و الامتحان.
فما هو العطاء الذي أُوتِيَه إبراهيم الخليل عليه السّلام
؟ و ما هي المِنّة و الخصوصيّة التي فاز بها و الأفضال ؟
إنّ الله تعالى لم يُنْقذ ابنه من الذّبح و لم يُفْدِه بذِبْح عظيم فقط بل جعل اسمه خالدًا
ساريًا في العالَمين تردِّده الحناجر و الأكوان: فهو أبو الأنبياء ذو الحَنِيفيّة
السّمحة و من صُلبه خرج الأنبياءُ و الرّسل و إليه تَنتسب أديان التّوحيد و اسمُه و
رَسْمُه و سَعيُه و هَدْيُه و آثارُه و أخبارُه و بناؤه و مقامُه...كلّ أولئك مرتبط بالحجّ و هو أحد
قواعد الإسلام الكبرى.و كذلك مرتبط ذكرُه و يَقينُه و صَبرُه و تَسليمُه بأكبر عيد و هو عيد الأضحى و
في الصّلاة،و هي عماد الدِّين، يَذكُره الذّاكرون و يُعْلي قَدْرَه و مِقدارَه
القُنَّتُ الرّاكعون...
هذا هو إبراهيم الخليل،أبو الأنبياء، حاضرٌ حضورًا
جميلاً و مذكورًا ذكرًا كبيرًا لأنّه كان أُمَّةً،أيْ اجتمعت فيه وَحْده من الخصال
الكبيرة ما يجتمع في أمّة، و كان إمامًا و معلِّمًا و أُسْوة و قُدْوة قانتًا لله حنيفًا
و مؤمنًا وَحْده و النّاس مِن حَوله مُشركون...