السبت، 31 أكتوبر 2020

فاتح نوفمبر 2020

 

إنّ عظمة نوفمبر في ماهيَّته: إنّه الثورة و الانتفاضة و التّمرد.و هو الدَّويُّ و الصَّرخة و الانفجار.إنّه الإرادة و الإباء و العِناد.و هو الصَّيْحة و الهَبّة و الغَلَيان.إنّ نوفمبر هو الغَضبة الكبرى التي عَصَفت بالظّلم و الظّالمين بعد 132 سنة من الحقد الفرنسيّ المدمِّر و الهَمَجيّة الفرنسية الوَحشيّة و الإبادة الجماعيّة و القتل المنظَّم و الدّماء و الأشلاء و الدّموع و الأحزان و سياسات القَهر و الإذلال و التّعذيب و التّنكيل و النّفي و الاستئصال و الطَّمْس و التّجهيل...

إنّ نوفمبر تَضيق به الكُتبُ و الصّحائف و المُدوَّنات فكيف تَسَعُه الدِّيباجة المُتهافتة و الجُملةُ النّاقصة و الإشارة الباهتة و اللَّفْتة المَشكُوكة و النِّية المُبيَّتة و الإيحاء المُتَّهم ؟ و إنّ كلّ محاولة لتَحْنِيطه أو مصادرته هي محاولة فاشلة لأنّ نوفمبر،بطبيعته، يتجدَّد و لا يتبدَّد مقاومًا للموت مُتأبِّيًا على التّحول و الانتقال كطائر الفَينَق الذي يُبْعَث من فَنائه و رَماده.

إنّ نوفمبر هو الأمل و هو الحرّية و هو الانطلاقة و الاتِّجاه.و قد عَلَّمنا نوفمبر،و لا يزال، أنّ الجزائر ليس لها إلاّ حليفان: إيمانُها الكبير الذي يُحرِّك الجبال و شَعبُها العظيم الذي يأبَى الخضوع و الاستسلام.و هذا المعنى الخَفِيُّ الجَلِيّ هو الذي تُوحي به كلمات الإلياذة الخالدة:

            و لولا العَقيدةُ تَغمُر قَلبي ***** ما كُنتُ آمَنتُ إلاّ بشَعْبي    


الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

الكتابة معاناة

 

إنّ الكتابة معاناة و إنّي لأكاد أجزم أنّ المعاناة لا تظهر في شيء كما تظهر في عمليّة الكتابة.و لقد أساء إلى الكتابة كثيرًا و شوّهَ مُحيَّاها طوائفُ من المثقّفين و المتعلّمين حين أفْرغوها من كلّ معاناة فأصبحت،عندهم، عملاً هيِّنًا بسيطًا يمارسونها كما يمارسون بعض الوظائف الحيويّة أو الهوايات.

و إنّه ليكفي متابعة ما يُسجَّل في أغلب الصّحف و المجلاّت و ما يُسطَّر في بعض الكتب و الأسفار ليَستَيقن المرء أنّ الكتابة،في هذه الأيّام، بَهَت لونُها و هان شأنُها و زال تأثيرها حين تصدَّى لها أصناف من الناس يفتقرون إلى الوسائل و تُعوزهم الأدوات و لا يَحُوزون القدرة على الوفاء بأكبر مقتضيات الكتابة ألا و هي المعاناة.و بسبب هذه الأصناف المزدحمة عند باب الكتابة،زُورًا و ادِّعاءً، أو نتيجةً لجرأتهم استحالت الكتابة موتًا و مواتًا بدلاً من أنْ تكون بعثًا و حياةً و نشورًا.

إنّ الكتابة معاناة في الظاهر و الباطن: معاناة في الألفاظ و الكلمات و في الجمل و العبارات و في الإطار و الأشكال.و معاناة في المعاني و المضامين و في اللَّطائف و الأبعاد و الإيحاءات.و معاناة في النّظم و الترتيب و الجمع و التّنسيق.إنّ المعاناة لحاضرة في كلّ مراحل الكتابة: في أوَّلها و في وسطها، في مبدئها و في مُنتهاها.و هي كذلك حاضرة في مُنعطفاتها و منحنياتها و في زواياها و ثناياها و في لُحمتها و سَداها.

و إنّ هذه المعاناة لحاضرة،فضلاً عن ذلك كلّه ،في مجموع الظّروف النّفسية التي ترافق عملية الكتابة و تتلبَّس بها و في حالات المزاج المختلفة التي تتخلّلها و في لحظات التأمّل و الاستبطان التي تغشاها كما هي حاضرة في ذلك المزيج الحادّ من عواطف اللّذة و الألم و السّأم و الملل و الشّك و اليقين و القُدرة و العجز و البَسط و القَبض و التّدفق و النّضوب و الاندفاع و التّريث و الإقبال و الإدبار و السّمو و الدّنو...بل إنّ حضورها ليمتدّ،أحيانًا، عند بعض الكاتبين الكبار و يتعاظم و يستطيل فيُصاحبهم حينًا مَديدًا بعد فترة الكتابة و الإبداع و يَغْشاهم آناءً بعد التّسطير و النّهاية و التّمام.

و كلَّما كانت المعاناة كبيرة استنفدت طاقاتِ الكاتب و استهلكت عُصارتَه و اختلطت بدمه  و أعصابه و حينئذ،فقط،تفوز هذه الكتابة بالخلود و تحظَى بالدّوام و الامتداد فتَسْكن القلوب و العقول قبل أنْ تسكن الغَيب و المستقبل و حياة الأجيال.أما تلك الكتابة التي وُلدت باردة هامدة جامدة لأنّها لم تُصْهَر في بَوتقة المعاناة فإنّ أحدًا من الناس لا يَأويها و لا هي تجد من يحتضنها و يتبنّاها لأنها وُلدت ميّتةً و الناس لا يتبنَّوْن الأموات.


اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/