الغَيث هو المطر أو هو الخاصّ منه بالخير.و هو،أيضًا،
السّحاب أو الكلأ يَنْبت بماء السّماء.و من مادّة الغَيث صُنِع الغَوْث و هو طلب النّجدة
و النّصرة و كشف الشّدة. أمّا القُنوط فهو
شدّة اليأس و من مادّته صِيغ القَنْط و هو المَنْع.
و الغَيث و القنوط ظاهرتان بارزتان في الوجود و يتعاقبان
في الكائنات و الأحياء تعاقب اللّيل و النّهار.إنّ الغَيث الذي يصيب الأرواح و
النّفوس فيُحْييها بعد مَوات و يَشفيها
بعد أَسقام فَتعُود فرحتُها و تَزهُو عواطفها و تَنْتَشي و تزداد كالغيث الذي ينزل
على الأراضي و الأقاليم و الآكام و الآجام فيُنْعشها و يَسقيها و يُثمرها و
يَنْمِيها.
و إنّ القنوط الذي يَحْبس الأنفاس و يُولِّد الحزن و العَجز
و يُلبِّد العواطف و يَشُلّ التّفكير و يمنع الحركة و التّواصل ليس سوى قدَر من
أقدار الله مؤقَّتٍ محسوب يُدفَع بالضّراعة و المناجاة.
و إنّ الغَيث الذي يُؤْنس الرّوح و يجدِّد الحياة و يصنع
البهجة و النّماء هو رحمة من الله و نعمة و مِنّة و فضل قَمينٌ مقابلتُه بالحمد و
التّسبيح و التّكبير.
الغَيث و القنوط،إذن، يتعاقبان فينا تعاقب اللّيل و
النّهار بقدر محسوب و نصيب مفروض.و إنّ الزَّحْمة التي تكابدها النّفس حين القنوط
و الفرحة التي تَهَشّ لها الرّوح حين الغيث قدَران متلازمان يجعلان شعورنا بالحياة
شعورًا عميقًا لا سطحيًّا كما يجعلان موقفنا من تقلّباتها موقفًا متوازنًا لا
مضطربًا و يَمْنَعانِنا،في الوقت نفسه، من الاستسلام لدواعي اليأس و التّمزق و
الانقطاع حين يُعيدانِنا إلى قدرة الله القاهرة « الذي يُنزّل الغَيث من بَعْد ما قَنطوا
و يَنشُر رحمته و هو الوليّ الحميد ».