الأحد، 3 يوليو 2022

وهــران المتـوسّطيـة

تحتضن وهران الدّورة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسّط بعدما تمّ تأجيلها العام الماضي بسبب وباء الكوفيد-19.و هذه الدّورة هي أوّل تنظيم لمنافسة متعدّدة الرّياضات تحتضنها هذه المدينة السّاحليّة بعد الجزائر العاصمة سنة 1975.و هذه الألعاب المتوسّطية هي منافسات رياضيّة تشارك فيها منتخبات مجموعة من الدّول المُطلّة على البحر الأبيض المتوسّط مضافًا إليها بعض الدّول التي أُلحقت بها و ليس لها سواحل متوسّطية كالبرتغال و صربيا و مقدونيا الشّمالية و سان مارينو و إمارة أندورا.و تشارك،في هذه الألعاب التي تدوم أحد عشر يومًا،26 دولة و 3390 متنافسًا في 244 منافسة.

و تملك وهران من التّاريخ و الأمجاد و من الموقع و الجغرافيا و من المواهب و العبقريّات و من الطّاقات و القدرات...ما يؤهّلها لأنْ تكون مدينة إشعاع فكريّ و حضاريّ قادرة على منافسة الحواضر الأروبّية و تأكيد مكانتها و بسط تأثيرها في حوض البحر الأبيض المتوسّط: فهي ثاني أكبر مدن الجزائر وعاصمتها الغربيّة و إحدى أهمّ مدن المغرب العربيّ و هي مركز اقتصادي كبير و ميناء بحريّ هامّ.و هي المدينة التي بناها البحّارة الأندلسيّون الذين اتّخذوها مركزًا لتجارتهم مع الرّستميّين في تيهرت في القرن العاشر: يسكنها التّاريخ بآثاره و شواهده و تحكي تفاصيلها الجغرافيا و هي محطة التقاء الثّقافات و الحضارات و ظلّت موضع نزاع بين أمويِّي الأندلس و الفاطميّين و كذلك بين الدّول المختلفة التي حكمت المغرب الإسلاميّ.حرّرها الباي مصطفى بوشلاغم،El Bigotillos كما يسمّيه الإسبان بسبب شاربه المتميّز، و اسمه الحقيقيّ مصطفى بن يوسف، التّحرير الأوّل سنة 1708 من قبضة الإسبان الذين احتلّوها سنة 1509 ثمّ حرّرها الباي محمّد الكبير،سنة 1792، التّحرير الثّاني و أصبحت مركزًا لبايلك الغرب،ضمن الوصاية العثمانيّة، إلى غاية الاحتلال الفرنسيّ سنة 1830.

وهران هي مدينة العلماء و الصّالحين و مدينة العلاّمة  محمد بن عمر الهوّاري ( 1350 - 1439 ) الدّفين بالمدينة الذي جدّد لوهران هويّتها و انتماءها الحضاريّ و المعروف بسيّدي الهوّاري و إلى اسمه تُضاف وهران.و وهران هي مأوى الفنّانين و الأدباء و الكتّاب و الشّعراء و عرين المجاهدين و الشّهداء و في أرجائها تتردّد هذه الأصداء و الأنباء.و هي المدينة التي تعانق البحر و تضجّ بالحركة و الحياة كأنها تسابق الزّمن و يَحلو فيها العَيش و في رحابها تتزاوج الألوان و الأذواق و تستعلن الطّعوم و الأطباق و تتلاقح  الآراء و الأفكار.وهران هي كلّ هذا المزيج و النّسيج و هي،أيضًا، مدينة الأناقة و الجمال و فضاء واسع للنّغمة الحلوة و الكلمة الطّيبة و اللّحن المتَّزن و الأداء الجميل و هي مدينة أحمد وهبي و بلاوي الهواري و أحمد صابر و عبد القادر الخالدي...و الفنّ الأصيل.

و هي المدينة العالميّة التي يدخلها الغريب فلا تُشعره بغربته و يستأنس بها فتحتضنه و يقيم فيها فلا تُنكره.و في هذا الشّأن يُنسَب إلى ابن خلدون رأي لم أستطع التّحقق منه و هو قوله: » وهران متفوّقة على جميع المدن الأخرى بتجارتها وهي جنّة التُّعساء.من يأتي فقيرًا إلى أسوارها يذهب غنيًّا «.   

 إنّ النّفع العاجل لألعاب البحر الأبيض المتوسّط أنّها تُخرج وهران من عُزلتها المتوسّطية فتكون هي دار الضّيافة و هي العُرس و هي القِبلة و هي محطّ الاهتمام و يتردّد اسمُها و رسمُها،أيّامًا معدودات، في جَنَبات حوض البحر الأبيض المتوسّط و يتعرّف ضيوفُها على أهْليها و ساكنيها   و بَرِّها و بحرها و ريحها و أنْسامها و طعامها و شرابها...و لكنّ هذا النّفع العاجل،،مع تقدير أهمّيته، لا يكفي وحده لاستعادة وهران مكانتها المتوسّطية و لا يؤهّلها للقيام بدورها الوطنيّ و الإقليميّ إذا لم يكن مشفوعًا بجهود أخرى و برامج و سياسات تُعيد إلى وهران حضورها المتوسّطي و تأثيرها الحضاريّ.و لن يتحقّق هذا الأمر الكبير إلاّ بالاستثمار الواعي في عمقها التّاريخي و وزنها الاقتصاديّ و بُعدها الثّقافي و إشعاعها الحضاريّ.

و هذا الهدف الكبير لا تتولَّى إنجازَه و تحقيقه جهة واحدة أو أفراد معدودون و إنّما تلتقي حوله لتجسيده جهود مختلفة و فرقاء مضافًا إليهم أولو النّباهة من أهل الثّقافة و الفكر و البحث و الاختصاص و ذوي المواهب و الرّؤيا و كلّ أولئك مسنود بإرادة سيّاسية واعية و عزم ظاهر و رؤية مستقبليّة واعدة.

 

 

  

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/