الأحد، 8 يوليو 2018

و قالت لي حين خَلوتُ بها...


أخذتُ بيدها فتمنّعت ثمّ حاولت أخرى فطاوعتني قليلاً فاستجمعت ُشجاعتي حين استسلمتْ لإقدامي و خلَوتُ بها كما يَخلو الحبيب بحبيبه.و حين غِبتُ و إيّاها عن أعيُن النّاس و اطمأننتُ إلى المكان و اطمأنّت هي باطمئناني...حينئذ قلتُ لها: و الله إنّي لأحبّك و أنت تَعلمين أنّي أحبّك و لا أملك مخالفتك و لا أستطيع جَفاكِ...و لكنْ أنتِ..هل تحبِّينني حقًّا ؟ و ما الذي  تحبِّينه فِي ؟ و ما الذي يجعلك مصرّة على الارتباط بي و البقاء في مَعيَّتي ؟
فأجابتْ بابتسامتها المعهودة قائلةً: أنا لا أحبّك لجمالك أو مالك. و لا أحبّك لمنزلتك أو ذكائك.أنا لا أحبّك لهذه الأعراض جميعها. أنا أحبّك حبًّا آخر. أحبّك الحبّ العميق الذي يجعلك تستسلم لي فلا تخالفُني و تَستِنيم لي فلا تُعاكسني و تَذِلّ لي فلا تقاومني. أحبّك الحبّ الذي يجعلك نُسختي و طَبْعتي و بَصْمتي...و مضَتْ تعدّد أوجهًا لهذا الحبّ و وجوهًا و تَضع شروطه و قيودًا. فعجبتُ من هذا الحبّ الذي يَسلُبني و لا يَمنَحني و يَحْرمني و لا يُعطيني و يُكبِّلني و لا يُطلقني و هو،بَعدُ، يقتلني و لا يُحْييني.
و حين زايلَتني سَكْرتي فأُبْتُ إلى صَحوتي و رجعتُ عن غَفوتي علمتُ أنّ حبّها ليس كمثله حبّ  و أنّ حبّها  ليس هو الحبّ و أنّ هذا الحبّ لا أستطيعه فلا آتيه و هو ليس يُواتيني.و قد كنتُ غارقًا في سُكْري حين عَلِقتُها فأحببتُها حبَّ الهوى و طلبتُ الحبّ عندها لأنّها هي،مِن قبلُ و مِن بَعدُ، لا تحبّ و لا تَقدر أنْ تحبّ و ليس في طِباعها أنْ تحبّ أو أنْ تَهَب الحبّ!                                                      فهَل تَعلمون من تكونُ حبيبتي التي أحبّها و لا هي هذا الحبّ تبادلُني و تُتعبني و تُشقيني ؟ إنها هي و ليس هناك إلاّ هي. إنها هناك و هنالك. لا.لا بل هي هنا و أقربُ من هنا لأنها بين أضلُعي تَسكنني و تَقطُنني. إنّها نَفْسي نَفْسي. هذه التي أحبّها و لا تُحبّني و يُعْجبني حديثُها و يَستهويني و يُسْكرني هَمْسُها حينًا،بل أحيانًا، و يُفْنيني. و لكنّها في كلّ الأحوال،و مُذْ عرفتُها، لا تَفْتأ تُؤلمني و تُؤذيني.

الأحد، 1 يوليو 2018

الصّيفَ ضيَّعتِ اللّبن





الصّيف موسم ثقيل على النّفس لحرارته و قِصر لَيله و طول نهاره.و لا تتأذَّى السّاعة البيولوجيّة في مَوسم كما تتأذَّى في فصل الصّيف لأنّ غالبيّة النّاس لا يَقدرون على ضَبط نظام حياتهم،في هذا الموسم، تَبَعًا لما كان عليه في ما مضَى من المواسم و الشّهور.
و لكنّ الصّيف،بعد هذا أو رَغم هذا، له معنًى خاصّ عند معظم الناس و مكانته لا تَحظَى بها المواسم الأخرى لأنه أشبه بالمحطّة الأخيرة في قطار الحياة السّنويّ التي يتطلّع إليها كلّ الرّكاب و يَستعجلون أوانها لينزلوا من هذا القطار الذي رجّهم رجًّا و أرهقهم رَهقًا و أتعبهم و أنْهك قُواهم و ضَغَط أعصابهم و أَثْلم أبدانهم و حمّلهم،شهورًا طوالاً، ما لا يُطيقون...يَستعجلون أوانَ الصّيف،إذنْ، و يَهَشّون لقُربه لينزلوا من هذا القطار و يترجّلوا قليلاً و يتخلّصوا من بعض الأعباء و يتخفّفوا من بعض التّكاليف...
الصّيف،بهذا المعنى، حبيب إلى النّفس لذيذ إلى القلب لأنه موسم الدَّعة و السّكون و الرّاحة و الاستجمام و التّنقل و التّرحال و الغَفلة و التّخفف و الفرحة و الانطلاق...تذوق النّفس فيه راحتها فتَستعيد اتِّزانها و تَستدرك ما فاتها.و لكنّ الصّيف،بسبب طبيعته الخاصّة، قد يَجني على صاحبه فيكون فصل الخسارة و الفَقد و الحَسرة و الجَدب.فَلْيَحرص العاقل على أنْ لا يَكون حاله،في هذا الفصل، شبيهًا بحال  دَخْتَنُوس بنت لقيط بن زرارة  التي ضَيّعتْ في الصَّيف اللّبن.

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/