أخذتُ بيدها فتمنّعت ثمّ حاولت أخرى فطاوعتني قليلاً
فاستجمعت ُشجاعتي حين استسلمتْ لإقدامي و خلَوتُ بها كما يَخلو الحبيب بحبيبه.و
حين غِبتُ و إيّاها عن أعيُن النّاس و اطمأننتُ إلى المكان و اطمأنّت هي
باطمئناني...حينئذ قلتُ لها: و الله إنّي لأحبّك و أنت تَعلمين أنّي أحبّك و لا
أملك مخالفتك و لا أستطيع جَفاكِ...و لكنْ أنتِ..هل تحبِّينني حقًّا ؟ و ما الذي تحبِّينه فِي ؟ و ما الذي يجعلك مصرّة على
الارتباط بي و البقاء في مَعيَّتي ؟
فأجابتْ بابتسامتها المعهودة قائلةً: أنا لا أحبّك
لجمالك أو مالك. و لا أحبّك لمنزلتك أو ذكائك.أنا لا أحبّك لهذه الأعراض جميعها.
أنا أحبّك حبًّا آخر. أحبّك الحبّ العميق الذي يجعلك تستسلم لي فلا تخالفُني و
تَستِنيم لي فلا تُعاكسني و تَذِلّ لي فلا تقاومني. أحبّك الحبّ الذي يجعلك نُسختي
و طَبْعتي و بَصْمتي...و مضَتْ تعدّد أوجهًا لهذا الحبّ و وجوهًا و تَضع شروطه و
قيودًا. فعجبتُ من هذا الحبّ الذي يَسلُبني و لا يَمنَحني و يَحْرمني و لا يُعطيني
و يُكبِّلني و لا يُطلقني و هو،بَعدُ، يقتلني و لا يُحْييني.
و حين زايلَتني سَكْرتي فأُبْتُ إلى صَحوتي و رجعتُ عن
غَفوتي علمتُ أنّ حبّها ليس كمثله حبّ و
أنّ حبّها ليس هو الحبّ و أنّ هذا الحبّ
لا أستطيعه فلا آتيه و هو ليس يُواتيني.و قد كنتُ غارقًا في سُكْري حين عَلِقتُها
فأحببتُها حبَّ الهوى و طلبتُ الحبّ عندها لأنّها هي،مِن قبلُ و مِن بَعدُ، لا
تحبّ و لا تَقدر أنْ تحبّ و ليس في طِباعها أنْ تحبّ أو أنْ تَهَب الحبّ! فهَل تَعلمون
من تكونُ حبيبتي التي أحبّها و لا هي هذا الحبّ تبادلُني و تُتعبني و تُشقيني ؟
إنها هي و ليس هناك إلاّ هي. إنها هناك و هنالك. لا.لا بل هي هنا و أقربُ من هنا لأنها
بين أضلُعي تَسكنني و تَقطُنني. إنّها نَفْسي نَفْسي. هذه التي أحبّها و لا
تُحبّني و يُعْجبني حديثُها و يَستهويني و يُسْكرني هَمْسُها حينًا،بل أحيانًا، و
يُفْنيني. و لكنّها في كلّ الأحوال،و مُذْ عرفتُها، لا تَفْتأ تُؤلمني و تُؤذيني.