الخميس، 17 سبتمبر 2020

الوطن المنفَى

المَنْفَى هو اسم مكان من فعل نَفَى يَنفي نَفيًا.و يَجِيء هذا الفعل،في معاجم اللّغة، للدّلالة على معانٍ متقاربة منها: الإخراج و الإبعاد و الطَّرد و التَّنحية و الإنكار  و الجحود.و عقوبة النَّفي،في القانون، هي الحُكم بإبعاد شخص من بَلده و إقامته في بَلد آخر لمدّة معيَّنة أو مَدَى الحياة.و المَنْفَى هو مكان إقامة المَنْفيِّ من وطنه.

و السّؤال هو:هل يكون الوطن مَنْفًى ؟ و هل هناك نَفْيٌ في الوطن ؟ و كيف يكون الإنسان منفيًّا في وطنه ؟

- النَّفْيُ في الوطن هو أنْ تَحْيا في وطنك و منزلك و بَين أهلك و ذَويك سالمًا مُعافًى و لكنّك كارهٌ لمُقامك ضائقٌ بوجودك ماقِتٌ لوضْعك يائسٌ من كلّ ما حَولك تتمنَّى زَواله أو الانتقال عنه.

- النَّفْيُ في الوطن أنْ تُسلَب حرّيتك و اختيارك و أنْ يُصادَر تفكيرك و أنْ تُرْتَهن عواطفك و ميولاتك ثمّ يُقال لك ترغيبًا أو ترهيبًا: هذا هو الطّريق فاسْلُكه و هذا هو الرَّأي فالْزَمْه و هذا هو العقاب فاحْذَره. 

- النَّفْيُ في الوطن أنْ تُقْتَل فيك مواهبُك و أنْ تُعطَّل طاقاتُك و أنْ تُسْرق منك أحلامُك و تطلّعاتك و أنْ تَموت في أعماقكَ إنسانيّتُك،يومًا بعد يوم، حتَّى تُصبح أنتَ نفسَك نسخةً مزوَّرة عن شخصيّتك و حقيقتك.

- النَّفْيُ في الوطن هو أنْ تَشعر بالغُربة و العذاب لأنّك لا تملك يَوْمك الذي أنتَ فيه و لا تستطيع أنْ تُسطِّر غَدك الذي أنت مُقْبلٌ عليه و تُوضَع أمامك كلُّ القوانين و العقبات و الإجراءات لكي لا تَحْيا حياة إنسان مُكرَّم و لا تعيش عِيشة مواطن مُعْترَف بقيمته و وجوده.

- النَّفْيُ في الوطن هو هذا الشّعور المُرّ الثّقيل القاتم الذي يَلْبسُك و لا تَلْبسُه و يَجْثُم على صدرك فلا يُفارقه و يَقودك فلا تُقاومه و يُمْلي عليك فلا تُقاطعه.

- النَّفْيُ في الوطن هو هذه الأوضاع السّياسية و الاقتصادية و الثّقافية و الاجتماعيّة التي تَسْلُب الإنسانَ المواطن خصائصه الإنسانيّة الكُبرى التي بها عُرِف في عالم الغَيب و بها يَتميّز في عالم الشّهادة و الحِسّ فيُصبح مطرودًا في وطنه و مُبْعَدًا و مَقصيًّا أو يَستحيل مخلوقًا مشوَّهًا أو بهيمة عَجْماء أو شيئًا غير ذي قيمة و ذِكر.  

- النَّفْيُ في الوطن هو إعلانٌ لمَوت المواطن و مَوتِ أحلامه و أشواقه و هو قَتْل لإنسانيّته و تميّزه و هو مصادرة لإرادته و اختياره و هو تعطيل لطاقاته و تَكْبيل لقدراته و هو مطاردة لوَعْيه و أفكاره و هو إنكار لذكائه و إبداعه...

- و النَّفْيُ داخل الوطن هو هَدْمٌ للوطن لأنه هَدم لقاعدته،و هو المواطن، و هَدْمٌ لعمودِه و زاويتِه. 

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/