المَنْفَى هو اسم مكان من فعل نَفَى يَنفي نَفيًا.و يَجِيء هذا الفعل،في معاجم اللّغة، للدّلالة على معانٍ متقاربة منها: الإخراج و الإبعاد و الطَّرد و التَّنحية و الإنكار و الجحود.و عقوبة النَّفي،في القانون، هي الحُكم بإبعاد شخص من بَلده و إقامته في بَلد آخر لمدّة معيَّنة أو مَدَى الحياة.و المَنْفَى هو مكان إقامة المَنْفيِّ من وطنه.
و السّؤال هو:هل يكون الوطن مَنْفًى ؟ و هل هناك نَفْيٌ
في الوطن ؟ و كيف يكون الإنسان منفيًّا في وطنه ؟
- النَّفْيُ في الوطن هو أنْ تَحْيا في وطنك و منزلك و بَين
أهلك و ذَويك سالمًا مُعافًى و لكنّك كارهٌ لمُقامك ضائقٌ بوجودك ماقِتٌ لوضْعك
يائسٌ من كلّ ما حَولك تتمنَّى زَواله أو الانتقال عنه.
- النَّفْيُ في الوطن أنْ تُسلَب حرّيتك و اختيارك و أنْ
يُصادَر تفكيرك و أنْ تُرْتَهن عواطفك و ميولاتك ثمّ يُقال لك ترغيبًا أو ترهيبًا:
هذا هو الطّريق فاسْلُكه و هذا هو الرَّأي فالْزَمْه و هذا هو العقاب
فاحْذَره.
- النَّفْيُ في الوطن أنْ تُقْتَل فيك مواهبُك و أنْ
تُعطَّل طاقاتُك و أنْ تُسْرق منك أحلامُك و تطلّعاتك و أنْ تَموت في أعماقكَ إنسانيّتُك،يومًا
بعد يوم، حتَّى تُصبح أنتَ نفسَك نسخةً مزوَّرة عن شخصيّتك و حقيقتك.
- النَّفْيُ في الوطن هو أنْ تَشعر بالغُربة و العذاب
لأنّك لا تملك يَوْمك الذي أنتَ فيه و لا تستطيع أنْ تُسطِّر غَدك الذي أنت مُقْبلٌ
عليه و تُوضَع أمامك كلُّ القوانين و العقبات و الإجراءات لكي لا تَحْيا حياة
إنسان مُكرَّم و لا تعيش عِيشة مواطن مُعْترَف بقيمته و وجوده.
- النَّفْيُ في الوطن هو هذا الشّعور المُرّ الثّقيل القاتم
الذي يَلْبسُك و لا تَلْبسُه و يَجْثُم على صدرك فلا يُفارقه و يَقودك فلا تُقاومه
و يُمْلي عليك فلا تُقاطعه.
- النَّفْيُ في الوطن هو هذه الأوضاع السّياسية و الاقتصادية و الثّقافية و الاجتماعيّة التي تَسْلُب الإنسانَ المواطن خصائصه الإنسانيّة الكُبرى التي بها عُرِف في عالم الغَيب و بها يَتميّز في عالم الشّهادة و الحِسّ فيُصبح مطرودًا في وطنه و مُبْعَدًا و مَقصيًّا أو يَستحيل مخلوقًا مشوَّهًا أو بهيمة عَجْماء أو شيئًا غير ذي قيمة و ذِكر.
- النَّفْيُ في الوطن هو إعلانٌ لمَوت المواطن و مَوتِ
أحلامه و أشواقه و هو قَتْل لإنسانيّته و تميّزه و هو مصادرة لإرادته و اختياره و
هو تعطيل لطاقاته و تَكْبيل لقدراته و هو مطاردة لوَعْيه و أفكاره و هو إنكار لذكائه
و إبداعه...
- و النَّفْيُ داخل الوطن هو هَدْمٌ للوطن لأنه هَدم لقاعدته،و هو المواطن، و هَدْمٌ لعمودِه و زاويتِه.