السبت، 1 مارس 2014

في الذكرى 25 لقيام اتحاد المغرب العربي: مغرب الشعوب أو مغرب الحكام ؟




لقد مرّ ربع قرن على القيام الرسمي لاتحاد المغرب العربي الذي يضم الجزائر و المغرب مضافًا إليهما موريطانيا و ليبيا و تونس و لم تَرَ شعوب المنطقة،بعدُ ،ثمرات هذا الاتحاد.
و هذا الوضع ليس عجيبًا ذلك أن الوحدة المغاربية لا تشارك في صنعها هذه الشعوب البتّة خلافًا لواقع  التجمّعات الإقليمية،في العصر الحديث، و المشاريع الكبرى المختلفة التي سلكت طرقًا ذكيّة و تبنَّت وسائل ناجعة ظاهرها المشاركة الشعبية الواسعة التي تستمدّ منها المشروعية و الموالاة و باطنها الحماس الجماهيري الكبير الذي يحتضنها و يَأويها و يشحنها بمزيج من معاني التحدّي و المحاولة و الإصرار و يوفِّر لها،في الأوّل و الآخر، نصيبًا كبيرًا من أسباب الحماية و التوفيق و النجاح و التحقيق.
     
و الواقع أن اتحاد المغرب العربي الذي ليس له من أوصاف الوحدة و الاتفاق سوى الشعارات الفارغة و العبارات الجوفاء- هذا الاتحاد الذي صاحبت ولادته الرسمية يوم 17  فيفري 1989،في مراكش بالمغرب، آمال شعبية كبيرة و تفاؤل عريض قد خيَّب كلّ الظنون و كذَّب كلّ التنبؤات و لم تَجنِ منه شعوب المنطقة،أبدا، ما يجعلها تفخر به أو تحرص عليه.و ليس من المبالغة القول بأن مشروع هذا الاتحاد قد وُلد ميِّتًا و لم تكن تلك الندوات و المؤتمرات سوى محاولة يائسة لزرع الحياة في جثة هامدة.

و لئن كانت قضية الصحراء الغربية قد عكّرت صفو العلاقات الجزائرية المغربية و عطّلت مسيرة الاتحاد المغاربي منذ زمن طويل فإن قضية لوكربي التي اتهم فيها السلطات اللّيبية بتفجير طائرة ركاب أمريكية فوق القرية الاسكتلندية سنة 1988- هذه القضية كان لها أثر آخر هدَّام حين امتنعت ليبيا عن تولِّي الرئاسة الدّورية للاتحاد بحجّة أن الدول الأعضاء لم تُبدِ معها التضامن الكامل و المساندة المطلوبة في إبّان الحصار المفروض عليها و الذي دام عشر سنوات.
و لقد كان من النتائج الأولى لهذه المقاطعة و التّدابر و الخصومة و الإعراض،مضافاً إليها مجموعة ظروف أخرى، أنْ جُمِّدت نشاطات هذا الاتحاد مدة خمس سنوات في نهايات القرن الماضي.
و قد يكون ما سبق بيانُه تفسيراً مقبولاً،عند البعض، لفهم حالة الاحتضار التي يعيشها الاتحاد المغاربي.و لكنّ ملاحظين آخرين يضيفون بأنّ السبب الرئيسي هو غياب الإرادة السياسية الحقيقية التي تملك الحماسة اللاّزمة و الجرأة الكافية للانتقال بهذا المشروع الإقليمي من طور النظرية و الشِّعارات إلى طور البناء و التشييد و أنّ صراع الزعامات المترهلة و تقلّب الأمزجة و الحسابات السياسية الضيقة هي مصدر العطب في جسم هذا التجمّع الإقليمي المأمول.

إنّ الوحدة المغاربية تحتاج في قيامها و تقوية أركانها إلى دعامتين اثنتين أساسيتين:
أولاً: إرادة سياسية صادقة و عزم ظاهر على خدمة الشعوب المغاربية و تحقيق آمالها الكبرى.
ثانيًا: إرادة شعبية قوية تحتضن هذه الوحدة و تسندها و ترعاها و تحميها من كلّ خطر أو عدوان.
و لئنْ كانت شعوب المنطقة تهفو أفئدتها إلى هذه الوحدة و تتطلّع،في صدق، أن تقيمها في واقعها فإن الإرادة السياسية المسيطرة على القرار في الدول الخمس لا زالت بعيدة كلّ البعد عن كلّ عمل جادّ يختصر الطريق إلى هذه الوحدة أو يُنْبِئ عن قرب ميلادها.و الذي تشاهده العين و تلمسه اليد أن الوحدة المغاربية تسير في طريق غير مأمون و تسلك سبلاً وعرة بإبعاد الشعوب عن كلّ قرار يصنع هذه الوحدة أو يمهِّد لها.
و أوضح مثال على هذا التهميش أن مجلس الشورى المغاربي الذي أُنشئ في الجزائر سنة 1989 و كان،في البدء، يتألّف من عشرة أعضاء عن كلّ بلد يختارون من المجالس النيابية الوطنية ثم ارتفع عددهم،في ما بعد، إلى ثلاثين- هذا المجلس الذي هو مؤسسة استشارية لدى مجلس رئاسة الاتحاد إنما وُلد بقرارات فوقية و تعيينات رسمية و لم يكن نتيجة انتخابات تمكِّن شعوب المنطقة من اختيار ممثِّليها الحقيقيِّين الذين تراهم أكثر قدرة بل أكثر جرأة على تجسيد هذا المشروع الإقليمي.

ثم إن هناك خطرًا آخر يهدّد الوحدة المغاربية المأمولة و هو خشية احتوائها من الاتحاد الأروبي و تفريغها من محتواها و تحويلها عن مسارها الحقيقيّ أو جعلها مجرّد سوق لبضائعه الرائجة.
و في غياب الإرادة السياسية الحقيقية في الدول المغاربية و في ظل مظاهر الترهل الغالبة على مواقفها فقد نجح الاتحاد الأروبي الذي يملك من وسائل الضغط و التضييق و من وسائل الإغراء المختلفة في احتواء الاتحاد المغاربي و جعله كيانا مفككا تابعا له و بناء فارغا من كل معنى.
و من مظاهر البؤس و الضنى في الاتحاد المغاربي و من علامات التشتت و الانكسار التي تلازمه أن الدول المغاربية تتسابق،فرادى، لعقد صفقات تجارية مع الأروبيين في حين أن حجم تجارتها البينية لا يكاد يبين.
و قد أثبتت دراسات موثوقة أن حجم التبادلات التجارية بين دول الاتحاد المغاربي تترواح بين 2 و 3% في حين أن حجم هذه التبادلات نفسها مع الاتحاد الأروبي قد تبلغ 60%.و الذي يقضى منه العجب أن صناع القرار في المنطقة المغاربية قد طفقوا،في السنوات الأخيرة، يخوضون مفاوضات شراكة مع الاتحاد الأروبي و هم آحاد متفرقون.
و حجم هذه التبادلات التجارية بين الدول المغاربية الذي لا يتعدى 3% يمثل أدنى المعدلات مقارنة بما هو كائن في بعض التجمعات الإقليمية الأخرى كالمجموعة الاقتصادية لدول جنوب شرق آسيا Asean التي يصل حجم تبادلاتها التجارية إلى 22%.
     
إنّ اتحاد المغرب العربي الذي تعاقدت النّيات،في البدء، على جعله مغربًا للشّعوب يخدم مصالحها و يحقّق آمالها و تجمّعا إقليميًّا كبيرًا،في الضّفة الجنوبية للبحر المتوسط، غنيًّا بثرواته البشرية و الطبيعية - هذا الاتحاد قد انحرف عن مساره و فقد مصداقه و أُفرغ من  ماهيّته و محتواه و أصبح مغربًا خاصًّا بالحكام أو ناديًا من نواديهم يلجئون إليه،بين الفينة و الأخرى، للتّسكع أو الاستجمام.
إنّ المتابعة الدّقيقة للأوضاع منذ القيام الرسمي لاتحاد المغرب العربي في 17 فيفري 1989 و استنطاق الأحداث و جَرد المنجزات و تَعداد المشاريع التي تحقّقت في الحياة اليومية و في واقع الناس...كلّ أولئك يقود الملاحظ النّزيه إلى استنتاج واحد واضح خلاصته أنّ القيادات السياسية التي تَنادت،من قبلُ، إلى بناء الوحدة المغاربية- هذه القيادات السياسية لم تكن تؤمن بهذه الوحدة،و لا بأيّ وحدة، و لم يكنْ لها سوى مشروع واحد كبير تحيَا له و تموت من أجله و هو أنْ تبقى في الحكم و تتشبّث به مُستحلّة كلّ الوسائل و دائسة كلّ القيم و لا يهمّها ما يحصل بعد ذلك من تدمير للنفوس و الأبدان و تعطيل للعقول و الطاقات و خراب للبلاد و الأوطان.

إنّ المنطق القائل بأنّ المشاريع الكبرى هي مسؤولية الحكّام و السّاسة وحدهم- هذا المنطق قد ولَّى زمانه و اندثر منذ ثمانينيات القرن الماضي الذي شهد ميلاد صحوة الشّعوب و كان بداية التّحولات السياسية في كثير من بقاع العالم و كذلك ليس له رصيد من الواقع و لا يملك سندًا من التاريخ.
و أقرب مثال إلينا هو مسيرة الاتحاد الأروبي و العقبات التي واجهت قيامه و بناءه منذ خمسينيات القرن الماضي.فكان يكفي أنْ يستعلن الرّفض الدنماركي لاتّفاقية ماستريش في جوان 1992 و أنْ يظهر التّأكيد الفرنسي الضّعيف لهذه الاتّفاقية في سبتمبر 1992 حتىّ تدقّ بروكسل ناقوس الخطر و يُعقد مؤتمر قمة طارئ للمجموعة الأروبية في مدينة برمنغهام في أواسط أكتوبر من السّنة نفسها لبحث هذه المشكلة.و قد انتهت هذه القمة بإبداء الاحترام الواجب للإرادة الشعبية المستعلَنة و بضرورة إشراك الشعوب الأروبية في عملية بناء البيت الأروبي الكبير.

إنّ الوضع الحالي لاتحاد المغرب العربي لا يبشّر بخير و ليس لشلله المقصود أيّ مستقبل في وسط هذه الأجواء الموبوءة المصطنعة هنا و هناك.و يُجمع المراقبون أنّ هذا البناء المغاربي لن يتحسّن وضعُه و أنّ هذا الأمل الإقليميّ لن ينتعش حاله أبدًا دون إشراك شعوب المنطقة في هذا البناء الكبير.
إنّ تهميش الإرادة الشعبية في دول المغرب العربي و عدم إشراك الشعوب في صياغة مشروع هذه الوحدة و تسطير أهدافها و رسم مراحلها و تحديد أولوياتها...كلّ أولئك سيجعل هذه الوحدة حلمًا بعيدًا أو أمرًا مستحيلاً.
إنّ شعوب المنطقة لَتهفُو أفئدتها بصدق إلى قيام اتحاد المغرب العربي الكبير.و المؤمَّل أنْ تبادر الجهات الرسمية،في ظل الأجواء العربية الجديدة، لاستعادة وعيها المفقود و تكون القيادات المغاربية في مستوى هذا الطّموح المشروع فتتسلّح بالإرادة السياسية الحقيقيّة و تسير بخطوات ثابتة محسوبة،بلا خوف أو وَجَل، نحو بناء هذا التّجمع الإقليميّ الواعد مدعَّمة بالإرادة الشعبية الواسعة التي تعبِّر عن وجودها بمشاركتها في بناء هذا المشروع و تحقيقه.

لقد مرّ ربع قرن،إذنْ، على القيام الرسمي لاتحاد المغرب العربي و لم تَرَ شعوب المنطقة،بعدُ، ثمرات هذا الاتحاد لأنها لم تُدعَ إليه و لم تشارك في بنائه.و المؤمَّل أن ينتعش هذا المشروع الإقليميّ في ظلّ الثّورات العربية التي عصفت ببعض الزعامات المترهّلة و أنْ يعاد الاعتبار الكامل لشعوب المنطقة و أنْ تحظى بالاحترام الواجب إرادتُها الظاهرة فتشارك في عملية بناء هذا البيت المغاربي الكبير.

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/