السبت، 22 ديسمبر 2018

26 ألف مليار سنتيم لترميم القصبة




فرنسا التي دمّرت القصبة سنة 1830 و ما فَتِئت تدمّرها طيلة 132 سنة من الاحتلال الهمجيّ للجزائر تتولَّى ترميم القصبة ضمن اتّفاقية ثلاثية بين ولاية الجزائر و منطقة إيل دو فرانس Ile de france و المهندس المعماري الفرنسيّ Jean nouvel.و قد بلغت كُلفة هذا التّرميم 26 ألف مليار سنتيم !
ترميم القصبة أو إحياؤها كما تقول الاتفاقية- و كأنّ القصبة كانت ميّتة و سكّانها ميّتون - سيكون هدفه الأوّل هو تشويهها و مَحو كلّ آثارها التّاريخيّة المتعلّقة بالاستعمار الفرنسي الهمجيّ و طَمس كلّ المعالم الدّالة على وحشيّة المحتلّين الفرنسيّين و همجيّتهم.
القصبة المتمرّدة التي اسْتعصت على المظلّيّين الفرنسيّين و قاومت السّفاحين الفرنسيّين يُراد لها،اليوم، أنْ تموت مرّة أخرى على أيدي زبانيّة الأمس و قتلة الأمس الذين قتّلوا سكّانها تقتيلاً و دمّروا كلّ عمود فيها و بُنيان...
ما الذي كان يمكن أنْ تقوله حسيبة بن بوعلي و محمود بوحاميدي و علي عمّار المعروف بعلي لابوانت و عمر الصغير أبطال معركة الجزائر و بقايا المقاومة المسلّحة في الجزائر العاصمة الذين لَقُوا حَتفهم ليلة 8 أكتوبر 1957،في القصبة، حين فجّر المظلّيون الفرنسيّون المنزل الذي لجأوا إليه ؟ و ما الذي يمكن أن يقوله كلّ الأحياء و الأموات الذين ذاقوا الوَيل و النّار و العذاب و التّنكيل و الدّموع و الأحزان و القهر و الإذلال... حين كانت الوحشيّة الفرنسيّة و البربريّة الفرنسيّة تتطاول في البنيان و تَعيث في القصبة فسادًا و تزرع في أزقّتها الموت و الدّمار ؟
إنّ القصبة قبل أن تنتمي إلى التّراث العالميّ و تتدخّل فرنسا أو اليونسكو في ترميمها أو إحيائها،كما يقولون، هي مِلكيّة سكّانها الأشاوس المقاومين و ملكيّة كلّ الجزائريّين الذين قاوموا همجيّة الاستعمار الفرنسيّ طيلة 132 سنة. فكيف تجيء فرنسا،اليوم، لتستكمل حقدها القديم و إرادتها القديمة في الانتقام من القصبة المتمرّدة و تشويه صورتها النّابضة بالحياة و طمس معالم المقاومة فيها و آثار الإباء ؟ فما الذي يحصل في جزائر الشّهداء ؟ و ما الذي أصابها و دهاها ؟









الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

اللغة في العصر الحديث


قد تحتاج المسألة اللّغوية،في أحايين كثيرة، إلى وِقفة متأنّية و تحليل هادئ بسبب ما يَنشأ عن بحثها من عواطف و مواقف و انفعالات.و يمكن القول،ابتداءً، بأنّ اللّغة ليست حياديّة دائمًا،أو هي ليست حيادية تمامًا، لأنها تحمل قِيَمًا و تسوق أفكارًا و موازين.و إنه لَيصعُب،في أوقات عديدة، فصل اللّغة،و هي وسيلة للتّعامل و التّخاطب، عن» حَمولتها « أو عن » شُحْنتها « . و الذي أعطى للّغة كلّ هذه الأهمّية و أحاطها بنوع من الهالة و التّقديس أنها لصيقة بالذّات و بسيادتها و بوجودها في العالم. و لعلّه، لهذا السبب، قد ارتبطت ارتباطًا شديدا بالسّياسة و المصالح الاقتصادية و استُعملت أداة فعّالة لبسط النّفوذ و التّوسع.
و إنّ العصور الحديثة بما شَهدته من صراع على مناطق النّفوذ و الأسواق و بما واكبها من صراعات على الهُويّة و إثبات الـذّات في وسط عالم لا يعترف إلاّ بمنطـق القـوّة و السّيطرة و القهر و الاستعلاء و لا قيمة فيه للضّعيف إلاّ بمقدار استسلامه و طواعيّته و خضوعه...إنّ عصورًا هذا شأنها و عالَمًا هذا حاله قد أعطى اللّغة بُعْدًا استراتيجيًّا خاصًّا و جعلها سلاحًا خطيرًا يوازي في آثاره أسلحة الفّتك و الدّمار الأخرى. و لم تَعُـد اللّغـة هـذه الوسيلـة الحيـاديّـة التي تنظـّم علاقات النـّاس و تقرّبهم و تحقّق التّعارف بينهم و التّبادلات بل أصبح لها شأن آخر و أيُّ شأن !
كلّ هذه الأوصاف - إذنْ - هي التي أعطت للّغة بعدًا استراتيجيًّا خاصًّا و جعلها موضع عناية و اهتمام فائقَيْن. و لكنّ اللّغة إذا كانت بهذه القيمة و هذا الوزن فما ينبغي أنْ يتحوّل النّشاط لها و الموقف تجاهها و العناية بها إلى نوع من الحساسيّة المَرَضِيّة و التّطرف كاللذَين نلمسهما في مواقف الفرنكفونية التي تمارس سياسة الإقصاء و التّهميش ضدّ اللّغات الأخرى لتحقيق السّيطرة المطلقة للّغة الفرنسية و ثقافتها خدمةً لأهداف سياسيّة و اقتصاديّة.
إنّ كلّ موقف من اللّغة و كلّ سياسة توضع لحمايتها و صيانتها ينبغي أنْ تَضع في الحسبان أمرَين اثنين: أوّلهما أنّ اللّغة مسألة سـيادة و وجـود و إثبات للذّات و أنّ العبث بها هـو عبث بهذه السّيادة و إلغاء لهذا الوجود و إفناء للذّات.و ثانيهما أنّ العناية باللّغة الأمّ و صيانتها لا يَعني تهميش اللّغات الأخرى أو ضرب الحصار حولها أو مطاردتها. و كلّ سلوك من هذا القَبيل هو من الحساسيّة الزّائدة و التّطرف الأعمى،و هو قبلُ، مصادم لهذا التّنوع و الاختلاف اللّذَين يقوم عليهما الكون و العالم.  

الأحد، 2 ديسمبر 2018

الاحتجاجات الشّعبيّة في فرنسا













الاحتجاجات الشّعبيّة متواصلة،في فرنسا، منذ ثلاثة أسابيع.و الذي أشعل هذه 
الاحتجاجات شيء واحد و هو الزّيادة التي فرضتها الحكومة في أسعار الوقود.هذا هو الظّاهر و لكنه ليس هو السّبب الحقيقيّ أو الوحيد.فالمتابع لهذه الاحتجاجات و لمواقف المحتجِّين و بياناتهم يدرك أنّ هذه الزّيادة في أسعار الوقود لم تكُنْ سوى القطرة التي أفاضت الكأس و أشعلت نار الاحتجاجات و ما صاحبها من خسائر و تدافع و صدام في العاصمة الفرنسيّة و في كامل المدن و الأقاليم.و خلاصة ما يُفهم من مطالب هذه الجماهير المُحتجّة التي تَلقى التّأييد الشّعبيّ الواسع  أنّ الظّلم،هكذا يقولون، هو سبب احتجاجهم و هو سبب اتنفاضتهم.و هم يحدّدون هذا الظّلم بأنواعه المختلفة: الظّلم الاجتماعيّ و الظّلم السّياسي و الظّلم الاقتصاديّ...و قد ذهب شعورهم بالظّلم إلى حدّ المطالبة باستقالة الرّئيس ماكرون و استقالة الحكومة و حلّ البرلمان!    
و الذي يُستفاد من هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،و من مَثيلها، مجموعة ملاحظات و هي:
1- أنّ الغضب الشّعبيّ و الانتفاضات الشّعبيّة لا يمكن التّنبؤ بها تنبّؤًا كاملا لأنها تخضع لمؤثِّرات كثيرة و معقَّدة لا تستطيع مراكز البحث أو استطلاعات الرّأي المختلفة أن تُدركها لأنّها تجيء مِن وراء الرّسوم و الحدود و الإرادات.
2- أنّ الإحساس بالظّلم هو المحرّك الحقيقيّ للشّعوب.و قد يتخفَّى هذا الإحساس بالظّلم وراء مطالب مختلفة كالمطالبة بالعَيش الكريم و الزّيادة في الأجور و الانتخابات النّزيهة و توفير الخدمات العامّة و محاسبة الفاسدين...و لكنّ هذا الإحساس بالظّلم يظلّ،في أعماق النّفس، قابعًا أو خانعًا يتعاظم و يتفاقم.و حين تضيق به النّفس فلا تتحمّله أو يضيق هو بمساحة هذه النّفس فلا تَسَعه ينفجر انفجارًا في عالم الحسّ و الواقع و قد يأتي،حينئذ، على الأخضر و اليابس.
3- أنّ هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،كغيرها من الاحتجاجات و الانتفاضات التي شهدها هذا القرن الجديد، ولادتها عفويّة فُجائيّة و لا تتبنّاها أو تتقدّمها القيادات السّياسيّة أو الفكريّة أو الدّينيّة أو النّقابيّة...و كأنّ هذه الشّعوب تُعلن بصنيعها هذا عن خصومتها و موقفها الرّافض لهذه القيادات جميعها التي أصبحت،كلّها أو جلّها، بشكل أو بآخر جزءً من منظومة تكرّس الظّلم المُسلَّط على هذه الشّعوب و تُزيِّن لها الانحناء و المطاوعة و الاستسلام.
4- أنّ الألفيّة الثّالثة،التي شهدت انتفاضات شعبيّة مختلفة في الوطن العربيّ و في مناطق مختلفة من العالم، ستكون هي ألفيّة الشّعوب الظّامئة إلى قيم الحرّية و العدالة و المساواة و أنّ مستقبل القيادات السّياسيّة و الفكريّة و الدّينيّة و النّقابيّة و مصداقيّتها مرهون بطبيعة موقفها من الحكومات و بمَدى  تفاعلها مع الواقع اليوميّ للشّعوب و مقيَّد بمدى انحيازها للمطالب الطّبيعيّة لهذه الشّعوب و مرتبط بحجم استجابتها و تحمّلها لهذه المواقف و المسؤوليّات.

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/