البَأسُ له معان عدّة منها الخوف و
الشّدة و العذاب...أمّا طَهور فمن الطّهارة و الطُّهر.و يُقال: ماء طَهور أيْ طاهر
مطهِّر.و الماء الطَّهور هو الذي يرفع الحدث و يُزيل النّجَس و الدّنس لأنه فَعول
من أبنية المبالغة فكأنّه تناهَى في الطّهارة.و كما
أنّ النّجَس و الدّنس يَعيب الثّياب،و
البدن أيضًا، و يَشينه فيُفقده جماله و جِدّته و جاذبيَّته فكذلك يَصنع المرض بالجسد و صاحبِه حين يُعوِّقه،قليلا أو كثيرًا،
فَيَشينُه فيُخرجه عن طبيعته الأولى فيَسلُبه من نضارة الوجه و عافية البَدن و
يُفقده من جمال الحركة و اتّزان الخطوة و جاذبيّة القَوام و سرعة الاستجابة...
و قد تضمّن هذا الحديث،و
الله أعلم، مجموعة أمور يَحسُن الوقوف عندها لأهمّيتها و دلالتها العميقة.
أمّا الأمر الأوّل فهو دعاء،و
إيعاز، بنَفي البأس،كالخوف مثلاً، عن المريض لأن الطّب الحديث أثبت أنّ الخَوف و القلق يؤثّران على المناعة
فيُضْعفانِها،أو يَشُلاّنها، و يقلّلان من درجة مقاومتها للعلل و الأدواء.و لهذا
السّبب يُوصي الأطبّاء،في المقام الأوّل، بتقوية المناعة النّفسية،و المناعة الطّبيعية أيضًا، لَدى
المرضَى و الأصحّاء و رفع مستوى دفاعات الجسم الطّبيعية ليكون قادرًا على مواجهة
كلّ الطّوارئ و المستجدّات.
الأمر
الثّاني: دعاء بأنْ يكون هذا المرض مطهِّرًا له من الذّنوب و المعاصي و مطهِّرًا
للجسد،أيضًا، من كلّ خَلَله و أعطابه لأنّ ظاهرة المداواة بالعلل و الأمراض أو ما
يسبّب العلل و الأمراض كالفيروسات ظاهرة علميّة صحيحة و اكتشاف طبّي
حديث.و لقاح سبوتنيك Sputnik V ضدّ
الكوفيد-19،الذي بدأ استعماله في الجزائر و في دول مختلفة، يعتمد على عائلة الفيروسات Les Adénovirus لتنشيط نظام المناعة لَدى المصابين و تحفيزه لإنتاج الأجسام
المضادّة.
و الأمر الآخر الذي يَجيء ثالثًا و هو أوَّلُ
أنّ تحقّق هذا الدّعاء و زوال المرض و شفاء صاحبه كلّ أولئك إنّما هو مشيئة الله
وحده و إرادته لا غيرَ.
فاجتمع في هذا الحديث،إذنْ، أمور ثلاثة و هي
دعاء بزوال الخوف و القَلق عن المريض و يَليه دعاء له و تفاؤل بالشّفاء و
يَعقُبه استحضارٌ لإرادة الله القاهرة و قدرته المعجزة في مداواة العلل و مواساة
الجراح و استئصال العقابيل.
و هذه المعاني هي التي
تَليق بهذا الموقف و تُلابسه لأنها تؤكّد على أهمّية المناعة النّفسية و المناعة الطّبيعية حين تربط المريض،في أحواله كلّها، بالله و
قدرته المعجزة في المداواة و الشّفاء فتُطلق روحه من عِقالها و تَهَبه أملاً
كبيرًا دافعًا و تستفزّ طاقاته و تُنعِش خلاياه فتهيِّئها جميعًا للمقاومة و
الدّفاع.