السبت، 22 مايو 2021

الحرب على غزّة: المواقف و الدّلالات

لقد شاءت الأقدار أن تتزامن الحرب الصّهيونية على غزّة،هذه الأيّام، و الاعتداءات على الأقصى و على سكّان القدس الفلسطينيّين مع حدثَين كبيرَين حوّلا العالم العربيّ إلى مناطق قلقة و ساحات كبرى تَعيث فيها فسادًا الصّهيونية العالميّة و الغرب الاستعماريّ الذي صنعها و دعّمها و زرعها في أوطاننا فجعلها  بؤرة استيطانيّة و قلعة متقدّمة لحماية مصالحه و تأبيد سيطرته.

هذان الحدثان الكبيران اللّذان زلزلا العالم العربيّ هما: ذكرى قيام إسرائيل في 14 ماي 1948 تحقيقًا للقرار 181 للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة الصّادر في نوفمبر 1947 و القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتَين عربيّة و يهوديّة.أمّا الحَدَث الثّاني فهو ذكرى النّكبة في 15 ماي 1948 و هو اليوم الذي اختاره الفلسطينيّون لتخليد ذكرى مأساتهم الإنسانيّة الكبرى و طردهم من ديارهم و وطنهم.

شاءت الأقدار،إذن، أن تتزامن الحرب الصّهيونية على غزّة مع هذين الحدثَين الكبيرَين و أن تُضاف إلى هذا التّقدير و هذا التّزامن و الارتباط مستجدّات على الأرض و مواقف و مفاجآت.

و على ضوء وقائع هذه الحرب الهمجيّة و الأحداث التي صاحبتها و ما نشأ عنها من مواقف و إرادات و ما انتهت إليه من لقاء و مفاوضات و إعلان لوقف إطلاق النّار يمكن استخلاص بعض الملاحظات و الأفكار نضعها في نقاط لتركيزها.

1- إنّ أوّل ما يمكن استخلاصه من هذه الحرب أنّه بعد 73 سنة من قيام دولة إسرائيل لا تزال فلسطين حيّة في القلوب و تسكن الضّمائر و الأفكار.و لا يزال الصّراع العربيّ الصّهيوني صراعًا مشروعًا و مصيريًّا لا يسقط بالتّقادم.و هذا الأمر يعزّز من مشروعيّة الحقّ الفلسطينيّ في العودة إلى أرضه و استعادة وطنه و يؤكّد،في الوقت نفسه، الحقّ الفلسطينيّ و الحقّ العربيّ أيضًا في المقاومة و الاستبسال لاسترجاع هذه الأرض و استعادة هذا الوطن لأنّ فلسطين ليست وطنًا     و جغرافيا فقط و إنّما هي قبلة و انتماء كذلك.

2- الملاحظة الأخرى و هي أنّ الدّين حضارةً و انتماءً هو الذي يضمَن للقضيّة الفلسطينيّة وضوحَها و جلاءها و بقاءها حيّة شاخصة في الضّمائر و العقول.و سببُ هذه المزيّة التي يحظَى بها الدّين قدرتُه الكبيرة على التّوحيد و لمِّ الشّمل و تحفيز الطّاقات و شحذ الهِمم و توضيح الرُّؤيا و تحديد الخطوات و الأهداف في سهولة و يُسْر خلافًا للمعنى المبتذَل للسّياسة الرّائجة التي تطمس الرّؤيا،غالبًا، و تتبنَّى لغة الخشب الكسيحة أو اللّغة الدّيبلوماسيّة الفجَّة التي لا تُنتج،في هذه القضيّة و في كلّ القضايا الجادّة، سوى التّهافت في الرّأي و الانكسار في الموقف و العمل.

و الأمر الآخر الذي يجعل للدّين حضورًا مُهيمنًا في القضيّة الفلسطينيّة يُنْعشها و يُحْييها هو طبيعة المصادر و الأساطير المؤسِّسة للدّولة اليهوديّة و هي مصادر دينيّة في المقام الأوّل و أصحابُها يُعلنونها و لا يتستّرون.و من الضّعف و الضَّنَى بل من الغباء و الخَبَل مواجهة عقيدة دينيّة راسخة بسفسطات سيّاسية متهافتة لأنّ النّصر في هذه المعركة،و في كلّ معركة مصيريّة، لا يكون حليفك و لا يتحقّق إلاّ إذا كان سلاحك من جنس سلاح عدوّك أو هو أفضل منه.و إنّ أوّل سلاح في معركة تحرير فلسطين هو عقيدة ضخمة تملأ القلب و تسيطر على الجوارح و توضّح الرّؤيا و ترسم الطّريق مضافًا إليها إيمان كبير يتطاول على الخوف و الموت و يستهين بالعداوات و كلّ العقبات.و إنّ الواقع التّاريخي الطّويل للمجتمعات العربيّة يثبت أنّ الدّين كلّما كان بُعدًا أساسيًّا وسلاحًا حاضرًا في معاركنا حقّقنا الانتصارات و اسْترجَعنا الحقوق و الأملاك و الأراضي و الأقاليم و إنّ تغييب البُعد الدّيني في معركتنا مع الكيان اليهوديّ هو بداية الهزيمة و الاستسلام.

3- و ثالث هذه الملاحظات تتمثّل في مواقف الغرب الرّسمي المُعلنة كلّها،و في مقدّمتها أمريكا، و هي مواقف داعمة للعدوان الإسرائيلي و تؤكّد،بصيغ مختلفة، على حقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها أيْ حقّ الجيش الصّهيوني في الاعتداء و القتل الهمجيّ و التّدمير الحاقد و استباحة الدّماء و التّشهير،في المقابل، بكلّ محاولات الفلسطينيِّين للدّفاع عن أنفسهم و صدّ العدوان المسلَّط عليهم.و إنّ هذه المواقف كلّها تثبت،مرّة أخرى، أنّ الولاء للصّهيونية من ثوابت السّياسة الخارجيّة لأمريكا و دول أروبّا و تؤكّد،أيضًا، هشاشة اللّجوء إلى الغرب في القضايا المصيريّة و الاحتكام إليه أو التّعويل عليه في حلّ القضيّة الفلسطينيّة لأنه طرف في العدوان،بنسب مختلفة، و هو،في كلّ الأحوال، قد حدّد موقفه و اختار مُعَسكره،منذ اليوم الأوّل، حين أدخل إسرائيل،عُنوةً، إلى أرضنا و جعلها شَوكة في جُنوبنا.

4- أمّا دول التّطبيع و في مقدّمتها مصر و محور اتّفاقية أبراهام فإنّ وضعهم أسوء من وضع ذليل في مَذلّته: فلا وساطتُهم المُضحكة التي رفضتها إسرائيل و لا فتح معبر رفح يُنقذهم من العار و البَوار.و كيف يستطيعون تزيين صورة إسرائيل أمام شعوبهم المتضامنة مع فلسطين ؟ و كيف يستطيعون تبرير مجازر الصّهاينة في غزّة و عدوانهم الهمجيّ على العُزّل الآمنين في القدس و في المدن الفلسطينيّة ؟ إنّ الذي تُظهره هذه الحرب على غزّة أنّ العدوان و توابعه كالقتل الهمجيّ و التّدمير الأعمى و التّهجير الحاقد هو طبيعة ثابتة في الصّهيونية المغروسة في أرضنا و أنّ شطحات محور التّطبيع و الانكسار و « صَوْلته » هي ضدّ حركة التّاريخ و هي معادية لطبيعة الأشياء و مآلها الكساد و البَوار. 

5- ملاحظة أخرى يمكن تسجيلها،في هذا المقام، و هي البُعد الإنسانيّ للقضيّة الفلسطينيّة و التّعاطف الدّولي الذي تحظَى به لدَى شعوب العالم و المؤسّسات و الشّخصيّات العامّة ذات المكانة الاجتماعيّة و الرّأي و التّأثير.و سبب هذا التّعاطف الدّولي أنّ اغتصاب فلسطين،في الوعي الجمعيّ العالميّ، هي أكبر جريمة تَمَّت،في العصر الحديث، بتواطؤ دَوليّ استعماريّ ظاهر مُعتمد على القوّة و القهر و الإكراه و أنّ قضيّة فلسطين هي قضيّة حقّ تقرير مصير شعب تمّ طردُه من أرضه و تجريده من ممتلكاته و تشريده في المنابذ و المخيَّمات و مَنح حقّ الوطن و العيش فيه لشعب آخر لأهداف استعماريّة كبرى.و إنّ الاستثمار في البُعد الإنسانيّ للقضيّة الفلسطينيّة و تنميته و توسيعه و تجميع هذا التّعاطف الدّولي و تحصينه هو معركة أخرى ضدّ الكيان الإسرائيلي لا تقلّ أهمّية عن المعارك الأخرى لمنافعها و جَدْواها.

6- و الجديد في هذه الحرب أنّ القدس هي فَتِيلها و هي سببُ اشتعالها: القدس بسكّانها و ألوانها    و مقدّساتها و القدس بتنوّعها و ممتلكاتها.القدس،إذن، أرضًا و حضارةً و انتماءً هي سببُ هذه الحرب و هي مصدرها و هي الفتيل الذي أشعلها.و هذا الأمر الجديد في هذه الحرب هو تحوّل نوعيّ في الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ و هو إشارة قويّة من المقاومة الفلسطينيّة و رسالة واضحة إلى الكيان الصّهيوني بأنّ القدس ليست خارج القضيّة الفلسطينيّة أو خارج النّزاع و ليست موضوع تفاوض أو مساومة أو ابتزاز.إنّ هذا التّحول النّوعي في الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ الذي حقّقته المقاومة الفلسطينيّة و عجزت عن تحقيقه،من قبل، مفاوضاتُ السّلطة الفلسطينيّة يُؤْذِن بتهافت و سقوط كلّ السّياسات الإسرائيليّة المتعاقبة و اندحار كلّ المؤامرات الدّولية المتضامنة معها و التي حاولت جعل القدس موضوعًا محسومًا بالقوّة و التّواطؤ و الإكراه.

 7- و يمكن تسجيل ملاحظة أخيرة،قبل مغادرة المقام، و هي إحدى مفاجآت هذه الحرب العدوانيّة على غزّة خلاصتُها أنّ المقاومة الفلسطينيّة قد استطاعت نقل كمّيات كبرى من الرّعب إلى الجهة الأخرى و أكّدت قدرتها على إيلام العدوّ الإسرائيليّ و إلحاق الضّرر به و إرباكه.و إنّ المقاومة الفلسطينيّة حين حقّقت معادلة توازن الرّعب في صراعها مع الكيان الإسرائيليّ تكون قد صرّحت بأمرَين اثنَين: أحدهما هو إثبات قدرتها على النِّزال و المواجهة و إلحاق الضّرر بالجيش الصّهيونيّ و التّأكيد على وجودها و بقائها قوّة أساسيّة لا يُستهان بها و طرَفًا لا يمكن تجاوزه في حلّ القضيّة الفلسطينيّة و رَسْم مستقبلها.أمّا الأمر الثّاني فهو إيذانُها ببداية تآكل و انحسار الدّور الوظيفيّ للكيان الصّهيوني في المنطقة العربيّة و أنّ حاضر هذه المنطقة و مستقبلها لن تقرّره إسرائيل و لن يكون،بعد اليوم، في مُكْنتها.


الاثنين، 17 مايو 2021

البيت لنا و القدس لنا...

 

الاقتحام الصّ هيونيّ الهمَ جيّ للمسجد الأقصى و الاعتداء على المصلّين العُزَّل الآمنين في الأقصى و سياسة التّطهير العرقيّ،في القدس و غيرها و الحرب الهَم جيّة على غزّة و هدم المباني و المنازل و القتل المُنظَّم للأطفال و النّساء و الشّيوخ...

كلّ أولئك يُثبتت،مرّة أخرى، أنّ الصّ هيونيّة هي تهديد للأمن و السِّلم في المنطقة العربيّة و في العالم كلّه و أنّ التّطبيع ليس حلاًّ مناسبًا للقضيّة الفلسطينيّية و أنّ مستقبل فلسطين يصنعه الفلسطينيّون المقاومون و تصنعه الشّعوب العربيّة و ليس الأنظمة العربيّة التي تتسابق في مسلسل التّطبيع أو تلك التي تسعى لتزيين صورتها،أمام شعوبها، بالتّباري في سباق بيانات التّنديد المُضحكة و الشّجب و الاستنكار البليد... 

هذه الحرب الصّ هيونيّة الهمَ جيّة على غزّة أعادت إلى الواجهة هذا الزّمن العربيّ الكالح ذا الملامح الكئيبة: مغيَّب الوعي بليد الحسّ.مَخنوق الصَّوت مَكْبوت الأنفاس.فاقد الذّاكرة مشلول القُوَى.لا تهزّه المصائب مهما عظُمت و لا تحرّكه ساكنَه الخطوبُ ذات الوزن و الشّأن و الأخطار...

و لكنّ هذه الحرب الصّ هيونيّة الهمَج يّة على غزّة أعادت إلى الواجهة،أيضًا، هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد و هذا الرّبيع الفلسطينيّ النّاضج بآياته الكبرى و علاماته الجُلَّى.

و آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه الرِّقاب المؤمنة و الأرواح الطّاهرة و الهامات المرتفعة و القلوب المُلتهبة و الجموع المُقبلة و الأطفال و النّساء و الشّيوخ و الشّبان و الأيادي و الأكُفّ و السّواعد و المناكب و الحناجر و الصّدور...

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه البساطة و الوداعة و هذه العظمة و الكبرياء.هي هذه الطّهارة و البراءة و هذا الحبّ و الودّ و الصّفاء و الوفاء...

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذا الإيمان العميق و الشّعور الغامر و الموقف الرّاسخ و التّصميم القاهر.هي هذا الثّبات الخارق و الإقدام المُزلزل.هي هذه الصَّيحة المُدويّة و هذا الرّفض الكبير.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه الأنوثة الحازمة و الرّجولة الباسلة و الطّفولة الرّاشدة و الشّيخوخة المتأبِّية.هي هذه القلوب الحانية و الأحضان الدّافئة و العيون الرّامقة و العواطف و الآمال و الإرادات.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه الشّهادة الكبرى،في جَنَبات الأقصى، و الاستماتة القُصوى و الصّبر الجميل.هي هذا التّحدي الكبير الذي تشهده أرض الإسراء و المعراج و هذه البطولات المُعجزة و التّضحيات الجسام.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه المعاناة الفائقة و اللّهجة الصّادقة و الملامح الجميلة و المشاعر المتدفّقة.هي هذه النّبتة الغَضّة و هذا الغَرْس و النَّوْر و هذا الوعي الجديد.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد مَنْبتها في غزّة و مَجْلاها في القدس و لاحت من فلسطين.فما أكْرمكِ من آياتٍ في هذا اللّيل العربيّ البَهيم و ما أكْرمَ مَنْبتك و مَعدنك و ما أكْرمَ متقلَّبك و مَثْواك.

سلام الله عليكِ يا قدسُ في الخالدين...


اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/