الثلاثاء، 5 أبريل 2022

المنطقة الآمنة

 

هناك تعاريف عديدة للمنطقة الآمنة Comfort zone و لكنّها جميعًا تُجْمع على أنّها حالة نفسيّة يشعر فيها الإنسان بنصيب كبير من الرّاحة و الاطمئنان و الإشباع و الامتلاء بسبب محافظته على مجموعة من عاداته  اليوميّة و سلوكاته المعتادة.و لذّة العادة و المَألوف التي تُنشئها هذه العادات اليوميّة و السّلوكات المعتادة هي التي تجعل هذا الإنسان متشبِّتًا بمنطقته الآمنة غير خارج منها و مقاومًا أو متقاعسًا عن كلّ تغيير.

و قد عرّفها بعضهم بالقول بأنّها المنطقة التي تَقلّ فيها شكوكُنا و هواجسُنا و يَقلّ حِرمانُنا و هشاشتُنا و هي المساحة التي نعتقد أنّنا سنحصل فيها على قَدْر كافٍ من الطّعام و الحبّ و الموهبة و الوقت و الاحترام.إنّها المنطقة التي نشعر فيها أنّ لدينا بعض القيادة و التّحكم.و في داخل هذه المنطقة يمكن للفرد أن يحقّق مستوًى معيَّنًا من السّيطرة مع الشّعور بمستويات منخفضة من التّوتر و القلق يجعلانه قادرًا على تحقيق نِسَب ثابتة و مستمرّة من الفاعليّة و الأداء.

و المنطقة الآمنة هي،أيضًا، أفكار قَبْليّة و تصوّرات أوّلية يأوي إليها الإنسان و يقوم بترديدها و المحافظة عليها دون ابتلائها أو تمحيصها أو التّفكير في تغييرها لأنّها تَهَبُه لونًا من الهدوء النّفسي و المَسرّة و الحُبور.

المنطقة الآمنة،إذنْ، كما يدلّ عليها اسمُها و يَجْلُوه وصفُها هي منطقة الرّاحة و الأمان التي نجد فيه راحتنا النّفسية و الجسديّة بإشباع كلّ لذّاتنا و الاستجابة لكلّ دوافعنا و هي  المنطقة التي تُشْعرنا بالثّقة و السّيطرة و تملأنا باللّذة و السّرور و القناعة و الرّضا لأنّها منطقة عاداتنا اليوميّة الحبيبة إلى أنفسنا التي لا تتغيّر و تصوّراتنا القَبْليّة التي لا تتبدّل و هي،كذلك، المنطقة التي لا تُكلّفنا الجهد الكبير و لا تفرض علينا المعاناة الكُبرى.

  و لكنّ هذه المنطقة الآمنة قد تصبح سجنًا كئيبًا يَشقَى فيه صاحبُه لأنّها ،من قبلُ و من بعد، هي منطقة  الوضع الحالي Status quo  التي تمنعنا من التّقدم و التّطور و التّجديد و تمنعنا من اكتشاف ذاتنا و ابتلاء حدودنا و تجاوز مخاوفنا و تنمية طاقاتنا و مواهبنا و هي شكل من أشكال السّلبية غير المتوافقة مع تحقيق أيّ مشروع.

و رمضان الذي يَعُودنا كلّ عام،كما يعود الطّبيب مَرْضاه، هو مناسبة لخروج الإنسان المؤمن من هذه المنطقة الآمنة التي يكون قد ألِفَها أوقاتًا و اسْتكان لها شهورًا و يكون المِحَكّ الحقيقيّ في هذا الشّهر هو هذه السّؤالات: حين تفارق عاداتك اليوميّة و تتجافى عن سلوكاتك المعتادة و تُمنَع طعامك و شرابك و تُمنَع سائر لذّاتك ما الذي يحصل لك ؟ و ما الذي ينتابك ؟ هل يَتضَعْضع بناؤك فتفقد سيطرتك فتَنتعش فيك حيوانيّتُك و يزداد غضبُك و يَكبر انفعالُك و يَفسد مزاجُك و تتباطأ حركتُك...؟ و هل تتصاعد،في هذا الشّهر، إنسانيّتُك و تَرقى روحانيّتُك فتملك زمام أمرك و تستعيد سيطرتك فتتباعد حيوانيّتُك و تَسمو عواطفك و تَعْلو همّتُك و يتضاعف نشاطك...؟

هذا هو المِحَكّ الحقيقيّ في رمضان و لكلّ واحد منّا نصيبُه من رمضان و على قدر النّيات و العزائم يكون النّجاح و التّوفيق في منطقة رمضان ذات التّوقيت المحدّد و الأيّام المعدودات التي تختلف تمامًا عن المنطقة الآمنة الممتدّة في الزّمان و المكان.

الحوار: 5 أفريل 2022 / العدد: 4579


اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/