هناك تعاريف عديدة للمنطقة الآمنة Comfort zone و لكنّها جميعًا تُجْمع على أنّها حالة نفسيّة يشعر فيها
الإنسان بنصيب كبير من الرّاحة و الاطمئنان و الإشباع و الامتلاء بسبب محافظته على
مجموعة من عاداته اليوميّة و سلوكاته
المعتادة.و لذّة العادة و المَألوف التي تُنشئها هذه العادات اليوميّة و السّلوكات
المعتادة هي التي تجعل هذا الإنسان متشبِّتًا بمنطقته الآمنة غير خارج منها و
مقاومًا أو متقاعسًا عن كلّ تغيير.
و قد عرّفها بعضهم بالقول بأنّها المنطقة التي تَقلّ فيها شكوكُنا و
هواجسُنا و يَقلّ حِرمانُنا و هشاشتُنا
و هي المساحة التي نعتقد أنّنا سنحصل فيها على قَدْر كافٍ من الطّعام و الحبّ و الموهبة و الوقت و الاحترام.إنّها المنطقة
التي نشعر فيها أنّ لدينا بعض القيادة و التّحكم.و في داخل هذه المنطقة يمكن للفرد
أن يحقّق مستوًى معيَّنًا من السّيطرة مع الشّعور بمستويات منخفضة من التّوتر و القلق
يجعلانه قادرًا على تحقيق نِسَب ثابتة و مستمرّة من الفاعليّة و الأداء.
و المنطقة الآمنة هي،أيضًا، أفكار قَبْليّة و تصوّرات أوّلية يأوي إليها
الإنسان و يقوم بترديدها و المحافظة
عليها دون ابتلائها أو تمحيصها أو التّفكير في تغييرها لأنّها تَهَبُه لونًا من الهدوء
النّفسي و المَسرّة و الحُبور.
المنطقة الآمنة،إذنْ، كما يدلّ عليها اسمُها و يَجْلُوه وصفُها هي منطقة
الرّاحة و الأمان التي نجد فيه راحتنا النّفسية و الجسديّة بإشباع كلّ لذّاتنا و
الاستجابة لكلّ دوافعنا و هي المنطقة التي
تُشْعرنا بالثّقة و السّيطرة و تملأنا باللّذة و السّرور و القناعة و الرّضا
لأنّها منطقة عاداتنا اليوميّة الحبيبة إلى أنفسنا التي لا تتغيّر و تصوّراتنا القَبْليّة
التي لا تتبدّل و هي،كذلك، المنطقة التي لا تُكلّفنا الجهد الكبير و لا تفرض علينا
المعاناة الكُبرى.
و لكنّ هذه المنطقة الآمنة قد تصبح سجنًا كئيبًا
يَشقَى فيه صاحبُه لأنّها ،من قبلُ و من بعد، هي منطقة الوضع الحالي Status quo التي تمنعنا من
التّقدم و التّطور و التّجديد و تمنعنا من اكتشاف ذاتنا و ابتلاء حدودنا و تجاوز
مخاوفنا و تنمية طاقاتنا و مواهبنا و هي شكل من أشكال السّلبية غير المتوافقة مع
تحقيق أيّ مشروع.
و رمضان الذي يَعُودنا كلّ عام،كما يعود الطّبيب مَرْضاه، هو مناسبة لخروج
الإنسان المؤمن من هذه المنطقة الآمنة التي يكون قد ألِفَها أوقاتًا و اسْتكان لها
شهورًا و يكون المِحَكّ الحقيقيّ في هذا الشّهر هو هذه السّؤالات: حين تفارق
عاداتك اليوميّة و تتجافى عن سلوكاتك المعتادة و تُمنَع طعامك و شرابك و تُمنَع
سائر لذّاتك ما الذي يحصل لك ؟ و ما الذي ينتابك ؟ هل يَتضَعْضع بناؤك فتفقد
سيطرتك فتَنتعش فيك حيوانيّتُك و يزداد غضبُك و يَكبر انفعالُك و يَفسد مزاجُك و
تتباطأ حركتُك...؟ و هل تتصاعد،في هذا الشّهر، إنسانيّتُك و تَرقى روحانيّتُك
فتملك زمام أمرك و تستعيد سيطرتك فتتباعد حيوانيّتُك و تَسمو عواطفك و تَعْلو
همّتُك و يتضاعف نشاطك...؟
هذا هو المِحَكّ الحقيقيّ في رمضان و لكلّ واحد منّا نصيبُه من رمضان و على
قدر النّيات و العزائم يكون النّجاح و
التّوفيق في منطقة رمضان ذات التّوقيت المحدّد و الأيّام المعدودات التي تختلف
تمامًا عن المنطقة الآمنة الممتدّة في الزّمان و المكان.
الحوار: 5 أفريل 2022 / العدد: 4579