الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

أزمة الثّقة

 

أزمة الثّقة بين الشّعوب و المسؤولين أزمة حادّة في المجتمعات المعاصرة.و لا تستطيع خطابات هؤلاء المسؤولين المُمِلّة أو أكاذيبهم الفاضحة أو مُغازلاتهم المُضحكة  أنْ تَحلّ هذه الأزمة أو تُخفّف من آثارها.

وحملاتُ اللّقاح الأخيرة ضدّ الكوفيد-19 التي بدأت،في أروبّا، و الخوف من آثاره الجانبيّة و انعكاساته السّلبية على المَدَنَيْن المتوسّط و البعيد كلّ أولئك أعاد إلى الواجهة أزمة الثّقة المُستعصية التي ما فَتئت تستطيل و تتفاقم.و قد ازداد خَوف طوائف كبيرة في هذه المجتمعات،و منهم صُنّاع الرّأي و قادة سيّاسيون، و أعلنوا رفضهم أنْ يَكُونوا حقل تجارب لهذه اللّقاحات التي كان حَملُها و ولادتها في عام واحد بدلاً من أعوام و يَحُوطها التّسْييس مِن قبلُ و من بعد.و قد تأكّد خَوفهم حين رأَوا أنّ هؤلاء المسؤولين لم يُعطوا المَثَل بمواقفهم و ليسوا في مقدّمة المتطوّعين لتلقِّي هذا اللّقاح و اختبار نجاعته و فاعليّته.

أزمة الثّقة،إذنْ، من الأزمات الكبيرة في علاقة المسؤولين بالشّعوب في المجتمعات المعاصرة.و لا يمكن حلّ هذه الأزمة الحادّة و التّخفيف من آثارها المدمِّرة إلاّ بتوفير ضمانات جادّة و أدوات فاعلة كالشّفافية و الرّقابة و المحاسبة و خطاب الصّراحة و الوضوح و إعطاء المَثَل و التّواصل المسؤول...


الخميس، 24 ديسمبر 2020

تدجين الألم

 

الألم نَصيب مَقدور في حياة البشر و هو يَنقص و يزيد، في حياتهم ،و يَضعف و يتضاعف تَبعًا لمواقفهم و إراداتهم و تماشيًا مع إرادة الله القاهرة و حكمته العالية في التّقدير و التّدبير.

و أكاد أجزم أنّ الألم إذا كان يَهُدُّنا هدًّا،حينًا و أحيانًا، أو يَحرمنا و يَسلُبنا أوقاتًا و أزمانًا فإنّه،في المقابل، قد يُعلِّمنا و يَبْنينا و يُنْعشنا و يُحْيِينا و هو في كلّ الأحوال يَهَبُنا و يُعْطينا.

و يَجوز لي أنْ أبُوح،في هذا المقام، أنّي ما اكتشفتُ ذاتي و أعماقي و لم أتَجوّل بين العوالم و الأكوان إلاّ حين كان الألم صَهْوتي و وَقُودي و لم أحقّق الغَلَب و الانتصار إلاّ حين « زارني » هذا الألم،مرّة أو مرّات، فحرّرني و أغناني و علّمني و أحْياني و وَهَبني و أعطاني...

و إذا كان لا مَناصَ من الألم و لا مَنْدوحة من وَطأته و قَبْضته فإنّ تَدجين هذا الألم و مصاحبة آثاره و التّخفيف من غَلْوائها مُمكن و مَأمول.و لا شكَّ أنّ لكلّ واحد منّا أسلوبَه و وسائله في تدجين الألم و لكنّي أجزم أنّ أوّل خطوة جادّة في هذا الاتِّجاه هي الفرار إلى الله و الزَّلْف إليه و مداومة معيَّته التي لا تَبْلَى و لا  تَهون و لا تَخون.

تدجين الألم،إذنْ، مُستطاع و مأمول و لا تعيش إنسانيّتك كاملةً إلاّ حين يَعْصرك الألم عَصْرًا فيَغسل خَفاياك و حَناياك و يُزيل عنك كلّ صَدَإ و مَسْنُون و يستخرج أَعمقَ ما فيك و أثْبت و يُجْلِي أجْمل ما عندك و أطْهر فتَذوق ذلك المعنَى الجميل المُتعالي الذي أشار إليه محمّد إقبال في معاناته: إنّ الله علّمنا في حكمته أنّ انشراح الصّدر يَسْبقه ألَم.  


الخميس، 10 ديسمبر 2020

في ذكرى الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان

 

يحتفل العالم،اليوم، بالذكرى 72 لصدور الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يصادف يوم 10 ديسمبر من كلّ عام.و لقد كان جديرًا بهذا العالم الممزّق و بشعوب الأرض المضطهدة أنْ تحتفل بجنازة هذا ا لإعلان العالميّ الذي وضعه الكبار المنتصرون،بعد الحرب العالميّة الثانية، لإحكام سيطرتهم على الصّغار و الضّعفاء في كل مكان.

إنّ الذي تَطويه وسائل الإعلام العالميّة و الكتب المشبوهة و الدّراسات المتحيِّزة أنّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان قد وُلد،بضعة أشهر، بعد اعتداء صارخ و جريمة كبرى كان ضحيّتها الفلسطينيّون الذين طُردوا من أرضهم و شُرّدوا في العالم وأقامت العصابات الصّهيونية،بمساندة الدّول الكبرى و تواطئها، دولة فوق أرضهم في مايو/أيار سنة 1948 .و كأنّ ميلاد هذا الإعلان العالميّ جاء تزكيةً لجريمة القرن الكبرى و تبريرًا لهذا الاعتداء البَواح أو كأنّ هذه الدّول الكبرى قد أعلنت بهذا التّواطؤ عن هويّة هذا الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان و كشفت عن برنامجه و عن مُبتغاه.

و قد شهدت الأرض،منذ صدور هذا الإعلان مظالم كثيرة و جرائم كبرى لم يشهد لها تاريخ الإنسانية مثيلاً.و اتُّخذت بنودُ هذا الإعلان العالميّ ستارًا لتغطية جرائم الحضارة الغربية بشقّيها الأمريكي و الأروبي.

فما الذي يبقى من رصيد للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بعد طرد الفلسطينيّين من أرضهم و تشتيتهم في العالم و سَلبهم حقّهم في العيش أحرارًا في وطنهم ثم تمكين اليهود الصّهاينة فوق أرض فلسطين التي ليست أرضهم و تسليحهم و حمايتهم ؟

و ما الذي يبقى من وَزْن و تأثير للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يتواطأ مع الحكّام القَتلة و المستبدّين و يَدعمهم و يُزكّي حُكم العَسكر و يؤيِّد انقلابات الجيوش،في كلّ مكان، لأنّها تَخدم مصالحه في التّوسع و بَسط النّفوذ و تحقّق رغبته في السّيطرة على ثروات الشّعوب و التّحكم في مصائرها و تأبيد تبعيَّتها و إذلالها.

و ما الذي يبقى من جاذبيّة للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يَسلب الحياة و يزرع الموت و يقضي على الفَرحة و النّماء بألوان من الحرب و الحصار كما حصل في العراق و أفغانستان و يحصل في غزّة و في فلسطين...

و ما الذي يبقى من مِصداق للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يتلذّذ باستغلال عذابات الناس في الصّومال كما يستغلّ ظاهرة الجوع و الحرب في كلّ مكان لفرض شروطه و بسط نفوذه و إحكام سيطرته على البلاد و العباد.

و ما الذي يبقى من بَريق للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يقتحم على السّكان الأصليّين ديارَهم و يَسلبهم أسباب الرّزق و يَحرمهم وسائل الرّاحة و الأمان كما حدث مع الهنود الحمر و مع القبائل البدائية في إفريقيا و في القارّة الأمريكية الواسعة و في غيرهما.

و ما الذي يبقى من شرعيّة للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يمارس الازدواجيّة و الانتقاء فلا يرفع صوته و لا يَحْزم أمره حين تُراق دماء العرب و المسلمين في إفريقيا و آسيا ودماءُ الضّعفاء قاطبةً،في العالم، و المنبوذين الذين تمارس ضدّهم كلّ أشكال العنف و الإرهاب و يَصرخ و يَعِد و يتوعّد و يُرسل الجيوش و الأحلاف حين تُهان الأقليّات المسيحيّة أو الأقليّات الأخرى التي تَخدم مصالح الغرب و تحقّق أطماعه بأيِّ شكل من الأشكال.

و ما الذي يَبقى من صلاحيّة للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي لم يتّخذ خطوة جادّة للقضاء على ظاهرة السّياحة الجنسية،التي يَتفَنّن فيها الغربيّون، والاعتداءات الجنسيّة الممارسة ضدّ الأطفال و العنف الذي يُصيبهم و المتاجرة بهم و تشريدهم و استغلالهم في الأعمال الشّاقة التي ليست في مُكنتهم أو إقحامهم في الحروب و النّزاعات.

والذي يُقضَى منه العَجَب أنّ مبادئ حقوق الإنسان و مجموع القيم الإنسانية الخالدة لا يُسمح بانتعاشها وسريانها،وفقًا لرؤية الدول الكبرى المتسلّطة، إلاّ داخل المنظومة الغربيّة و داخل حدودها الجغرافية.أمّا شعوب الأرض الأخرى التي لا صلة لها بالحضارة الغربيّة فهي ليست مقصودة بهذا الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان و موادِّه و بنودُه ليست تَعْنيها لأنها شعوب همجيّة و متخلّفة و ينبغي التّعامل معها بكلّ أشكال العنف و القَهر و الإرهاب و الاستئصال.

و إنّ هذا السلوك الغربي ليس جديدًا أو مبتدعًا لأنه يُعيد إلى أذهاننا سلوكًا همجيًّا قديمًا و هو سلوك الرّومان،في حملاتهم المختلفة خارج روما، الذين كان يُجَنّ جُنونُهم،كما يقول المؤرّخون،فيحرقون و يدمّرون و يقتلون كلّ الشعوب و الأقوام الذين لا يفهمون لغتهم أو ثقافتهم.

إنّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان قد أصبح لعبةً في أيدي الدّول الكبرى المسيطرة على ثروات شعوب العالم الثالث بل أصبح وسيلة فعّالة للقهر و الظّلم و الإبادة و الاستئصال.و كلّ أحداث القرن العشرين مضافًا إليها الجرائم الكبرى التي افتُتح بها هذا القرن الجديد و الحروب المتعاقبة و مؤامرات الانفصال و التّقسيم كلّ أولئك يزكّي هذا القول و يَعضده.

هذا هو حال الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بعد اثنَين و سبعين عامًا من صدوره.و هذا هو التّلاعب الذي لَحِقه و ذلك هو القتل و الاستئصال الذي ارتُكب باسمه و الخَراب و الدّمار الذي أُنْجِز تحت لوائه.

و في انتظار أنْ تتحقّق عودة الوعي لَدى الجموع و الآحاد وأنْ تنتفض شعوب الأرض المظلومة على هذا الواقع الأليم الذي تعاني نتائجَه المدمِّرة فتستعيد زمام المبادرة من أيدي هؤلاء المجرمين الكبار فإنّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان سيظلّ مبرّرًا مناسبًا لكلّ عمليّات الإبادة و الاستئصال ووسيلة فعّالة للقهر و الإذلال و وثيقة فارغة من كلّ معنى ضَرُّها أكبر من نَفعها.


اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/