الخميس، 11 يونيو 2015

تركيا أكبر من أردوغان...


ما يُستفاد من الانتخابات النّيابية الأخيرة،في تركيا، كثير.و لكن يمكن،في هذه المقام المتواضع، تسجيل بعض الملاحظات العَجلى ذات العلاقة بالموضوع و حصرها في النقاط التّالية.                                          أوّلاً- أنّ الإسلاميّين،حينما تكون قواعد العمل السّياسي واضحة و شفّافة، يمكن هزيمتهم و سحب الثّقة منهم في أيّ موعد انتخابيّ دون اللّجوء إلى الانقلابات كالتي يَشقَى بها الوطن العربيّ و تدخّل العسكر و دون اللّجوء إلى ممارسة الغشّ و شراء الذّمم و الأصوات أو إقامة نظام الحصص الجائر الذي يجعل السّلطة في أيدي أقلّية دمويّة تواطأت إرادتها على إهانة الشّعوب و مصادرة مبادراتها و تكميم أفواهها و تظافرت جهودها للانفراد بالسّلطة و تفنّنت في فنّ السّرقة و العَبث بالمال العامّ و الفوز بالغنائم كلّها و الظَّفر بكلّ الامتيازات.                                                                                                 ثانيًا- أنّ عدم حصول الحزب الحاكم على الأغلبيّة المطلقة التي تؤهّله للحكم يعود إلى مجموعة أسباب داخلية كفوز حزب الشّعوب الدّيمقراطي،ذي التّوجه الكرديّ، لأوّل مرّة و دخوله البرلمان بحصوله على 80 مقعدًا.و يبدو أنّ الأكراد،أو بعضًا منهم، الذين كانوا يصوّتون للعدالة و التّنمية من قبلُ رأوا أنْ يُعطوا أصواتهم،هذه المرّة، لحزب الشّعوب الدّيمقراطي الحديث النّشأة الذي يَحظى بمباركة عبد الله أوجلان،زعيم حزب العمّال الكردستاني،و تزكيته. فإذا أضفنا إلى هذا التّحليل رأيًا آخر خلاصته أنّ المسألة السّورية و أحداث كوباني الكرديّة التي ضخّمها الغرب لحاجة في نفس يعقوب-إذا أضفنا هذا الأمر إلى ذاك و سلّمنا بأنّ كليهما كانا حاضرَين في هذه الانتخابات و هما اللّذان صَنعا نتائجها بشكل من الأشكال...فإنّه يمكن القول،حينئذٍ، أنّ نتائج هذه الانتخابات،بهذا التّحليل، ليست بنكسة كُبرى ما دام حزب العدالة و التّنمية قد فاز بالأغلبيّة النّسبية في البرلمان و لا يزال يحتفظ بثقة مُريحة لدى عموم الشّعب التّركي الذي زكّاه فمنحه 258 مقعدًا في البرلمان من مجموع 550.و في هذا السّياق،دائمًا، يَغيب عن بعض الأذهان أنّ انتعاش الأحزاب الكرديّة كحزب الشّعوب الدّيمقراطي و حزب السّلام و الدّيمقراطيّة إنّما مردّه إلى الأجواء الدّيمقراطية الجديدة التي أنشأها حزب العدالة و التّنمية و شفافيّة العمليّة السّياسية التي تحقّقت،في عهده، بعد إبعاد العسكر عن الفضاء السّياسي و سَعيه الحثيث لإخراج البلاد من التّوتر و الصّراع و نزوعه الظّاهر لحلّ المسألة الكرديّة بلقائه و بتواصله و حواره مع الشّخصيّات و الأحزاب الكرديّة ذات الفاعليّة و التّأثير...فكلّ أولئك،إذنْ، هو الذي شجّع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمّال الكردستاني، في فبراير 2015، على الإعلان عن موقفه التّاريخي بالتّخلّي عن العمل المسلّح و تبنّي النّهج السّياسيّ في ممارسة الاحتجاج و المطالبة بالتّغيير.            ثالثًا- إرادة التّغيير قد تكون،هي أيضًا، عاملاً أثّر على نتائج هذه الانتخابات لأنّ التّغيير و التّجديد،اللَّذَين هَجرا المنطقة العربيّة منذ زمن بعيد، من طبيعة المجتمعات الحيّة التي تتصارع فيها سلميًّا الرُّؤَى و المواقف و الأفكار و هما،من قبلُ و من بعدُ، قيمتان أساسيّتان في بِنية الكَون و العالم.                             رابعًا- أمّا الذين يفسّرون عدم حصول العدالة و التّنمية على الغالبيّة المطلقة بنزوع طيّب أردوغان إلى الاستبداد و مظاهر الديكتاتوريّة البادية في مواقفه و آرائه...أمّا هؤلاء فليسوا سوى مردِّدين لنغمة غربيّة سابقة على أَوان هذه الانتخابات النّيابيّة و ما انفكّت متواصلة و هم يَستعذبونها كما يَستعذب الخامل ما يُقدَّم له من رأي أو تفسير.و يَدحض رأيَ هؤلاء أنّ أردوغان منذ تولِّيه مسؤوليّة البلاد لم يَسلم من الانتقاد و التّهديد و مظاهر الإساءة و الاستهزاء.فكيف يكون ديكتاتورًا و هو يتعرّض للإساءة و الإهانات ؟ إنّ الفائز الأكبر في الانتخابات النّيابيّة الأخيرة في تركيا هي تركيا نفسها التي طلّقت الحكم العسكريّ طلاقًا غيرَ رجعيّ و ولَّت وجهها شَطر الممارسة السّياسيّة النّزيهة القائمة على التّعدّدية و احترام اختيارات الشّعب و التّداول السّلمي على السّلطة.

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/