النّاس أمام الحرّية و العبوديّة صنفان:
صنفٌ أصيلٌ فيه لحنُ الحرّية و عميقٌ في رُوحه نداءُ التّمرد و الانطلاق.و كلّما طال زمنُ حَبْسه و امتدّ أوانُ عبوديّته تعاظم حَنينُه إلى حرّيته و تضاعف شَوقُه إلى الفضاء الواسع و الانطلاق فقام كالمارد متمرِّدًا على وَضعه يَكسر قيوده و الأغلال.
و صنفٌ آخر كلّما تطاول زمنُ حَبْسه و امتدّت فتراتُ عبوديّته
اسْتَمرأ وَضْعَه و استَأنس بقيوده و اسْتَعذب عبوديّته و لم يَعُد يرَى وُجودًا
مُمتعًا خارج الحَبس و القيود أو شعورًا مُشْبعًا بعيدًا عن الذّلة و التّبعية و
الأوهاق.
هذه المعاني نفسُها نجد لها أشباهًا و نظائر في عالم
الطَّير و الحيوان: هذا النَّسر ظلّ،منذ ولادته، مسجونًا في قَفَصه مَحبوسًا عند
البشر.انظُر إليه و هو يحاول،اليوم، الطَّيران...يحرّك جَناحَيه...يلتفت يمينًا و
شمالاً و يلتفت وراءه،أيضًا، كأنّه يَحِنّ إلى قَفَصه و يبحث عن سجنه و ماضيه...ثمّ
يلتفت إلى هذا الفضاء الكبير المفتوح أمامه و الذي لم يُخالطْه،من قبلُ، و لم
يُلابسْه..و لكنّ هذا الفضاء الكبير المفتوح أمامه يُغريه و كأنّه يُناجيه و
يُناديه...يقف النَّسر محاولاً و محاولاً لا يَيأس و لا يتراجع... مُتحسِّسًا و متوجِّسًا...متردِّدًا...متحيِّرًا...
لحظاتٌ قويّة دامت أكثر من 04 دقائق لا يعلم إلاّ الله
ما يشعر به و هو يتأمّل ما حوله و كأنّه يوازن و يُقارن بين ما كان فيه و ما هو
مُقدمٌ عليه...و حين تستيقظ فيه طبيعتُه و تَغلبُه حرّيتُه يطير فلا يَلْوي على
شيء و غيرَ خائف من شيء لأنّ الطّيران و الارتفاع مَكِينٌ فيه و أصيلٌ أصيلٌ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق