الأحد، 13 يونيو 2021

صفْعة ماكرون...


تابعتُ ما كُتب من تعليقات حول حادثة الصّفعة فعجبتُ من هذا المزيج من المواقف المتشابهة و هذا السّيل المتدفّق من عواطف الفرحة و النّشوة و التّلذذ و التّشفي...و تعاظم عَجبي حين رأيت أقوامًا يستدلّون بنصوص دينيّة على صفعة ماكرون!

إنّ الذي يَغيب عن ذهن هؤلاء الفَرحين أنّ الذي حدث للرّئيس ماكرون هو « شأن فرنسيّ داخليّ » لا يُمكن فهمُه إلاّ داخل المنظومة الثّقافية و المنظومة السّياسية الفرنسيّة و ما ينبغي تأويله تأويلاً بعيدًا يتجاوز بيئته و إطاره.و إنّي لأتساءل: كيف سيكون موقف هؤلاء الفرحين المُنْتشِين لو اعتذر،غدًا، الصّافع للمصفوع ؟ و كيف يكون،حينئذ، رأيهم و عواطفهم ؟ 

إنّ السّؤال الجادّ،هنا، هو: ما الذي جعلنا نقف هذا « الموقف البطوليّ » من حادثة هذه الصّفعة التي لم نَصنعها و لم نشارك فيها فنفرحَ و نتلذّذ و نتَشَفَّى و ننْتَشِي...؟ قد تكون السّوابق الذّهنية  و الأسباب التّاريخية و المواقف السّياسية...و لكنّ هذه الدّوافع و الأسباب كلّها ليست كافية،في ظنّي، لفهم سلوكاتنا الغريبة و مواقفنا المهزوزة من هذه الحادثة و من كلّ حادثة مَثيلها أو  قريبة منها.

إنّنا حين يتمدّد الفراغ في واقعنا و تَخلُو يوميّاتُنا من الجهود الكبيرة و حين نفتقر إلى الإنجازات الضّخمة في حياتنا و حين تَصْغُر نفوسُنا في نفوسنا فنصبح عالةً على نفوسنا و نستحيل عبئًا على ذواتنا...حينئذٍ تكون سلوكات الآخرين التي تَعْنيهم وَحْدَهم و مواقف الآخرين التي تَهُمّهم هُمْ دون سواهم و كَبْوَتُهم و سقوطُهم و ألمُهم و حُزنهم...تصبح هذه جميعًا هي « فرحتنا » و هي           « انتصارنا » و تصبح هي « بطولتنا » و هي « مَبلغ لذّتنا »...

كنتُ أتمنّى أن نقف عند فيديو الصّفعة قليلاً و نشاهده مليًّا لنَسْتَبين موقف الرّئيس ماكرون: كيف كان موقفه،في تلك اللّحظة و الحين، من هذه الصّفعة التي تلقّاها ؟ و كيف كان ردُّه بعد زوال مفعول الصّفعة و فُجاءة الحادثة ؟ هل أفقدتْه هذه الصّفعة توازنه و تماسكه ؟ هل ألغَى جولته و قطع زيارته ؟ و كيف كان ردّ المجتمع الفرنسيّ بأطيافه المختلفة و قياداته الفكريّة و السّياسية...؟ و كيف تعامل الإعلام الفرنسيّ،باختلافه و تنوّعه، مع هذه الحادثة...؟

هذه الأسئلة،و كثيرٌ مثلها، هي التي كان ينبغي أن نسألها و هذا هو الذي كان يجب أنْ نفعله و نقف عنده و نحلِّله و نتعلّم منه و نستفيد بدلاً من عواطف هذه الفرحة القادحة و النّشوة الجامحة و التّشفّي المُضحك التي تدلّ على قُصور فينا لا على نُضوج عندنا.

و لكنّنا لم نفعل و لعلّنا لا نملك أيَّ استعداد،في قابل، أنْ نفعل.لماذا ؟ هذا هو السّؤال: لماذا ؟ و هنا قد يطول الحديث و يَجُول و هو حديث ذو ألم و شجون...      

 

 

 

حظّك اليوم...

                             
كانت جالسة في مقعد بجانبي في الطّائرة المتوجِّهة إلى اسطنبول.رأيتُها تقلِّب صفحات كتابٍ بين يَدَيها: تقف طويلاً عند صفحة أو صفحَتَين ثمّ تقلِّب صفحات طِوالاً،بعصبيّة و في عجَل، و كأنّها تبحث عن شيء لم تَهتَدِ إليه.أغلقتْ الكتاب و ما لبثَتْ أنْ فتحتْه من جديد.ثمّ بدأتْ تلتفت إليَّ،بين الحين و الآخر، فتظاهرتُ بالغفلة و اللاّمبالاة.

كانت امرأة في عقدها الثّالث: ملامحُها جميلة و أناقتها لا تَخفَى و عِطرُها الأنثويّ الموزون يَفوح فيُنعش الحواسّ.مُحيّاها و هيئتُها يدلاّن على شأنها و مكانتها و يُنْبئان بوَضعها الاجتماعيّ.سألتنني و ابتسامة جميلة تَعْلو مُحيّاها: من فضلك كَمْ ستدوم الرّحلة إلى اسطنبول ؟ أجبتُها على سؤالها بما يُريحها.و لكنّي أعْلَم أنّ سؤالها لم يَكُنْ هو سؤالها و إنّما كان مطيّةً لأمر،من بعدُ، بَدَا لها.طاوعْتُها و بدأتُ أحدّثها عن اسطنبول جمالِها و ماضيها و حاضرها...

أقلعت الطّائرة و انْقضَى وَقتٌ و نحن في صُمات ثمّ الْتَفتتْ إليّ كما يَلتفتُ ضائقُ الصّدر إلى جهة تُنفِّس عنه و تُؤْنسه: هل تُؤمن بتوقّعات الأبراج و حظِّك اليوم و تأثير اللّيل و النّهار و الشّمس و النّجوم و القمر...؟               

رأيتُ في عَينَيها شيئًا فلم أشَأْ أنْ أصدمها بجواب حاسم قاطع فأجبتُها جوابًا بَيْنَ بَيْنَ خلاصتُه أنّ قراءة الأبراج و حظوظ اليوم قد يُستَأْنَس بها و قد يجد فيها طالبُها بعضَ حاجته و سَلْواه و لكنّها ليست صحيحة دائمًا فلا يُعتَدُّ بها...ثمّ طَفِقْتُ أشرح لها بما فَتَح الله عليَّ،في تلك اللّحظات،كيف أنّ الغَيب بيد الله وَحده و أنّ الإنسان هو صانعُ يَومِه و غَده و ليس عليه أنْ يَستسلم لوَضعه و يستكين و أنّ خَلاصه،دائمًا، و نجاحه في عمله و  في محاولته و  في تصميمه و مقاومته...

و حين رأيتُ اهتمامها و تركيزها،أثناء حديثي إليها، سألتُها عن حالها و وَضْعها و مناسبة سؤالها فأخبرتني أنّها امرأة متزوّجة و أنّ زواجها مهدَّد بالانهيار و أنّها تنتقل بين عواصم العالم بحُكم عملها في شركة عالميّة و أنّ مشاكل الزّوجيّة و العمل أفْقدتها طَعْم الحياة و أنّها لا تتمنّى إلاّ شيئًا واحدًا    و هو الرّاحة النّفسية و الاستقرار و أنْ تَنْعَم بحياة زوجيّة سعيدة.و لكنّ طبيعة عملها و تنقّلها يَحُولان دون ذلك و أنّها لا تجد عَزاءَها و سَلْواها إلاّ في تَقليب صفحات كتاب تَحمله معها،في حِلِّها و ترحالها، يُصاحبها فيُؤْنِسُها و يُخفّف من آلامها حين يُحدّثها عن بُرْجها و حظّها في هذا اليوم و في اليوم الذي بعده و في سائر الأيّام و يُعِينها على فَهم وَضعها و عواطفها و ما تُؤمِّلُه و ما ستَلقاه...

استمعتُ إليها مُنْصِتًا و لم أُقاطعها فاستَرسلتْ في الكلام.كانت كالمكبوت في حاجة إلى التّنفيس و الفَيَضان.و  ما كُنتُ أحبّ،في هذا المقام، أن أكون ناصحًا لها أو مُشْفِقًا على حالها لأنّ المُعَنَّى،في مثل هذه الحال و في كلّ الأحوال، يحتاج إلى من يستمع إليه و يفهمه و  يُنصت إليه و  يَشْحَنُه و يخاطب فيه حقيقته و إنسانيَّته و ليس يحتاج إلى مَن يَعِظه و يَنصحه.

توقّفتْ لحظةً و  كأنّها شعرتْ ببعض الحَرج فقالت: عفوًا فقد أزعجتُك بحديثي و أثْقَلتُ عليك بمشاكلي.تبسّمتُ في وجهها و طمأنتُها بكلمات تُزيل حَرَجها و تَرفع حياءَها.تواصل حديثُها و امتدّ ثمّ ذهب الحديثُ بنا في أودية و معانٍ ذات صلة بسؤالها.و خُضْنا في مواضيع أخرى مختلفة طوال الرّحلة و لم نشعر بالوقت يَنفد و ينقضي.تأثّرتُ بما أخبرتني مِن أمرها و عَجبتُ كيف يكون عَزاؤها و  سَلْوَاها، وعَزاء كلُّ الذين سواها،في توقّعات الأبراج و قراءة الحظوظ و حَمدتُ الله الذي أنْقذني من الوَهْم و لم يَجعلني من الذين يَستَبدلون الذي هو أدْنَى بالذي هو خَير.

و حين وصولنا إلى اسطنبول ودّعتُها و شحنتُها بكلمات تَليق بالحال و المقام متمنّيًا لها تمام السّعادة  و دوام التوفيق.نظرتْ إليّ بعَيْنَين جديدتَين مُشْرقتَين و ابتسمتْ ابتسامة أضاءتْ وجهها و قالت: يا الله...يا الله...أشْعُر بالخِفّة و الانطلاق و كأنّي خرجتُ من حَبْس طويل...و أضافت إضافة الواثق الحازم: و لن يَصْحَبني هذا الكتابُ بعد اليوم...سأفعل ما هو صوابٌ...سأفعل ما ينبغي فعلُه...سأقاوم...سأقاوم... 

 


السبت، 22 مايو 2021

الحرب على غزّة: المواقف و الدّلالات

لقد شاءت الأقدار أن تتزامن الحرب الصّهيونية على غزّة،هذه الأيّام، و الاعتداءات على الأقصى و على سكّان القدس الفلسطينيّين مع حدثَين كبيرَين حوّلا العالم العربيّ إلى مناطق قلقة و ساحات كبرى تَعيث فيها فسادًا الصّهيونية العالميّة و الغرب الاستعماريّ الذي صنعها و دعّمها و زرعها في أوطاننا فجعلها  بؤرة استيطانيّة و قلعة متقدّمة لحماية مصالحه و تأبيد سيطرته.

هذان الحدثان الكبيران اللّذان زلزلا العالم العربيّ هما: ذكرى قيام إسرائيل في 14 ماي 1948 تحقيقًا للقرار 181 للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة الصّادر في نوفمبر 1947 و القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتَين عربيّة و يهوديّة.أمّا الحَدَث الثّاني فهو ذكرى النّكبة في 15 ماي 1948 و هو اليوم الذي اختاره الفلسطينيّون لتخليد ذكرى مأساتهم الإنسانيّة الكبرى و طردهم من ديارهم و وطنهم.

شاءت الأقدار،إذن، أن تتزامن الحرب الصّهيونية على غزّة مع هذين الحدثَين الكبيرَين و أن تُضاف إلى هذا التّقدير و هذا التّزامن و الارتباط مستجدّات على الأرض و مواقف و مفاجآت.

و على ضوء وقائع هذه الحرب الهمجيّة و الأحداث التي صاحبتها و ما نشأ عنها من مواقف و إرادات و ما انتهت إليه من لقاء و مفاوضات و إعلان لوقف إطلاق النّار يمكن استخلاص بعض الملاحظات و الأفكار نضعها في نقاط لتركيزها.

1- إنّ أوّل ما يمكن استخلاصه من هذه الحرب أنّه بعد 73 سنة من قيام دولة إسرائيل لا تزال فلسطين حيّة في القلوب و تسكن الضّمائر و الأفكار.و لا يزال الصّراع العربيّ الصّهيوني صراعًا مشروعًا و مصيريًّا لا يسقط بالتّقادم.و هذا الأمر يعزّز من مشروعيّة الحقّ الفلسطينيّ في العودة إلى أرضه و استعادة وطنه و يؤكّد،في الوقت نفسه، الحقّ الفلسطينيّ و الحقّ العربيّ أيضًا في المقاومة و الاستبسال لاسترجاع هذه الأرض و استعادة هذا الوطن لأنّ فلسطين ليست وطنًا     و جغرافيا فقط و إنّما هي قبلة و انتماء كذلك.

2- الملاحظة الأخرى و هي أنّ الدّين حضارةً و انتماءً هو الذي يضمَن للقضيّة الفلسطينيّة وضوحَها و جلاءها و بقاءها حيّة شاخصة في الضّمائر و العقول.و سببُ هذه المزيّة التي يحظَى بها الدّين قدرتُه الكبيرة على التّوحيد و لمِّ الشّمل و تحفيز الطّاقات و شحذ الهِمم و توضيح الرُّؤيا و تحديد الخطوات و الأهداف في سهولة و يُسْر خلافًا للمعنى المبتذَل للسّياسة الرّائجة التي تطمس الرّؤيا،غالبًا، و تتبنَّى لغة الخشب الكسيحة أو اللّغة الدّيبلوماسيّة الفجَّة التي لا تُنتج،في هذه القضيّة و في كلّ القضايا الجادّة، سوى التّهافت في الرّأي و الانكسار في الموقف و العمل.

و الأمر الآخر الذي يجعل للدّين حضورًا مُهيمنًا في القضيّة الفلسطينيّة يُنْعشها و يُحْييها هو طبيعة المصادر و الأساطير المؤسِّسة للدّولة اليهوديّة و هي مصادر دينيّة في المقام الأوّل و أصحابُها يُعلنونها و لا يتستّرون.و من الضّعف و الضَّنَى بل من الغباء و الخَبَل مواجهة عقيدة دينيّة راسخة بسفسطات سيّاسية متهافتة لأنّ النّصر في هذه المعركة،و في كلّ معركة مصيريّة، لا يكون حليفك و لا يتحقّق إلاّ إذا كان سلاحك من جنس سلاح عدوّك أو هو أفضل منه.و إنّ أوّل سلاح في معركة تحرير فلسطين هو عقيدة ضخمة تملأ القلب و تسيطر على الجوارح و توضّح الرّؤيا و ترسم الطّريق مضافًا إليها إيمان كبير يتطاول على الخوف و الموت و يستهين بالعداوات و كلّ العقبات.و إنّ الواقع التّاريخي الطّويل للمجتمعات العربيّة يثبت أنّ الدّين كلّما كان بُعدًا أساسيًّا وسلاحًا حاضرًا في معاركنا حقّقنا الانتصارات و اسْترجَعنا الحقوق و الأملاك و الأراضي و الأقاليم و إنّ تغييب البُعد الدّيني في معركتنا مع الكيان اليهوديّ هو بداية الهزيمة و الاستسلام.

3- و ثالث هذه الملاحظات تتمثّل في مواقف الغرب الرّسمي المُعلنة كلّها،و في مقدّمتها أمريكا، و هي مواقف داعمة للعدوان الإسرائيلي و تؤكّد،بصيغ مختلفة، على حقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها أيْ حقّ الجيش الصّهيوني في الاعتداء و القتل الهمجيّ و التّدمير الحاقد و استباحة الدّماء و التّشهير،في المقابل، بكلّ محاولات الفلسطينيِّين للدّفاع عن أنفسهم و صدّ العدوان المسلَّط عليهم.و إنّ هذه المواقف كلّها تثبت،مرّة أخرى، أنّ الولاء للصّهيونية من ثوابت السّياسة الخارجيّة لأمريكا و دول أروبّا و تؤكّد،أيضًا، هشاشة اللّجوء إلى الغرب في القضايا المصيريّة و الاحتكام إليه أو التّعويل عليه في حلّ القضيّة الفلسطينيّة لأنه طرف في العدوان،بنسب مختلفة، و هو،في كلّ الأحوال، قد حدّد موقفه و اختار مُعَسكره،منذ اليوم الأوّل، حين أدخل إسرائيل،عُنوةً، إلى أرضنا و جعلها شَوكة في جُنوبنا.

4- أمّا دول التّطبيع و في مقدّمتها مصر و محور اتّفاقية أبراهام فإنّ وضعهم أسوء من وضع ذليل في مَذلّته: فلا وساطتُهم المُضحكة التي رفضتها إسرائيل و لا فتح معبر رفح يُنقذهم من العار و البَوار.و كيف يستطيعون تزيين صورة إسرائيل أمام شعوبهم المتضامنة مع فلسطين ؟ و كيف يستطيعون تبرير مجازر الصّهاينة في غزّة و عدوانهم الهمجيّ على العُزّل الآمنين في القدس و في المدن الفلسطينيّة ؟ إنّ الذي تُظهره هذه الحرب على غزّة أنّ العدوان و توابعه كالقتل الهمجيّ و التّدمير الأعمى و التّهجير الحاقد هو طبيعة ثابتة في الصّهيونية المغروسة في أرضنا و أنّ شطحات محور التّطبيع و الانكسار و « صَوْلته » هي ضدّ حركة التّاريخ و هي معادية لطبيعة الأشياء و مآلها الكساد و البَوار. 

5- ملاحظة أخرى يمكن تسجيلها،في هذا المقام، و هي البُعد الإنسانيّ للقضيّة الفلسطينيّة و التّعاطف الدّولي الذي تحظَى به لدَى شعوب العالم و المؤسّسات و الشّخصيّات العامّة ذات المكانة الاجتماعيّة و الرّأي و التّأثير.و سبب هذا التّعاطف الدّولي أنّ اغتصاب فلسطين،في الوعي الجمعيّ العالميّ، هي أكبر جريمة تَمَّت،في العصر الحديث، بتواطؤ دَوليّ استعماريّ ظاهر مُعتمد على القوّة و القهر و الإكراه و أنّ قضيّة فلسطين هي قضيّة حقّ تقرير مصير شعب تمّ طردُه من أرضه و تجريده من ممتلكاته و تشريده في المنابذ و المخيَّمات و مَنح حقّ الوطن و العيش فيه لشعب آخر لأهداف استعماريّة كبرى.و إنّ الاستثمار في البُعد الإنسانيّ للقضيّة الفلسطينيّة و تنميته و توسيعه و تجميع هذا التّعاطف الدّولي و تحصينه هو معركة أخرى ضدّ الكيان الإسرائيلي لا تقلّ أهمّية عن المعارك الأخرى لمنافعها و جَدْواها.

6- و الجديد في هذه الحرب أنّ القدس هي فَتِيلها و هي سببُ اشتعالها: القدس بسكّانها و ألوانها    و مقدّساتها و القدس بتنوّعها و ممتلكاتها.القدس،إذن، أرضًا و حضارةً و انتماءً هي سببُ هذه الحرب و هي مصدرها و هي الفتيل الذي أشعلها.و هذا الأمر الجديد في هذه الحرب هو تحوّل نوعيّ في الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ و هو إشارة قويّة من المقاومة الفلسطينيّة و رسالة واضحة إلى الكيان الصّهيوني بأنّ القدس ليست خارج القضيّة الفلسطينيّة أو خارج النّزاع و ليست موضوع تفاوض أو مساومة أو ابتزاز.إنّ هذا التّحول النّوعي في الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ الذي حقّقته المقاومة الفلسطينيّة و عجزت عن تحقيقه،من قبل، مفاوضاتُ السّلطة الفلسطينيّة يُؤْذِن بتهافت و سقوط كلّ السّياسات الإسرائيليّة المتعاقبة و اندحار كلّ المؤامرات الدّولية المتضامنة معها و التي حاولت جعل القدس موضوعًا محسومًا بالقوّة و التّواطؤ و الإكراه.

 7- و يمكن تسجيل ملاحظة أخيرة،قبل مغادرة المقام، و هي إحدى مفاجآت هذه الحرب العدوانيّة على غزّة خلاصتُها أنّ المقاومة الفلسطينيّة قد استطاعت نقل كمّيات كبرى من الرّعب إلى الجهة الأخرى و أكّدت قدرتها على إيلام العدوّ الإسرائيليّ و إلحاق الضّرر به و إرباكه.و إنّ المقاومة الفلسطينيّة حين حقّقت معادلة توازن الرّعب في صراعها مع الكيان الإسرائيليّ تكون قد صرّحت بأمرَين اثنَين: أحدهما هو إثبات قدرتها على النِّزال و المواجهة و إلحاق الضّرر بالجيش الصّهيونيّ و التّأكيد على وجودها و بقائها قوّة أساسيّة لا يُستهان بها و طرَفًا لا يمكن تجاوزه في حلّ القضيّة الفلسطينيّة و رَسْم مستقبلها.أمّا الأمر الثّاني فهو إيذانُها ببداية تآكل و انحسار الدّور الوظيفيّ للكيان الصّهيوني في المنطقة العربيّة و أنّ حاضر هذه المنطقة و مستقبلها لن تقرّره إسرائيل و لن يكون،بعد اليوم، في مُكْنتها.


الاثنين، 17 مايو 2021

البيت لنا و القدس لنا...

 

الاقتحام الصّ هيونيّ الهمَ جيّ للمسجد الأقصى و الاعتداء على المصلّين العُزَّل الآمنين في الأقصى و سياسة التّطهير العرقيّ،في القدس و غيرها و الحرب الهَم جيّة على غزّة و هدم المباني و المنازل و القتل المُنظَّم للأطفال و النّساء و الشّيوخ...

كلّ أولئك يُثبتت،مرّة أخرى، أنّ الصّ هيونيّة هي تهديد للأمن و السِّلم في المنطقة العربيّة و في العالم كلّه و أنّ التّطبيع ليس حلاًّ مناسبًا للقضيّة الفلسطينيّية و أنّ مستقبل فلسطين يصنعه الفلسطينيّون المقاومون و تصنعه الشّعوب العربيّة و ليس الأنظمة العربيّة التي تتسابق في مسلسل التّطبيع أو تلك التي تسعى لتزيين صورتها،أمام شعوبها، بالتّباري في سباق بيانات التّنديد المُضحكة و الشّجب و الاستنكار البليد... 

هذه الحرب الصّ هيونيّة الهمَ جيّة على غزّة أعادت إلى الواجهة هذا الزّمن العربيّ الكالح ذا الملامح الكئيبة: مغيَّب الوعي بليد الحسّ.مَخنوق الصَّوت مَكْبوت الأنفاس.فاقد الذّاكرة مشلول القُوَى.لا تهزّه المصائب مهما عظُمت و لا تحرّكه ساكنَه الخطوبُ ذات الوزن و الشّأن و الأخطار...

و لكنّ هذه الحرب الصّ هيونيّة الهمَج يّة على غزّة أعادت إلى الواجهة،أيضًا، هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد و هذا الرّبيع الفلسطينيّ النّاضج بآياته الكبرى و علاماته الجُلَّى.

و آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه الرِّقاب المؤمنة و الأرواح الطّاهرة و الهامات المرتفعة و القلوب المُلتهبة و الجموع المُقبلة و الأطفال و النّساء و الشّيوخ و الشّبان و الأيادي و الأكُفّ و السّواعد و المناكب و الحناجر و الصّدور...

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه البساطة و الوداعة و هذه العظمة و الكبرياء.هي هذه الطّهارة و البراءة و هذا الحبّ و الودّ و الصّفاء و الوفاء...

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذا الإيمان العميق و الشّعور الغامر و الموقف الرّاسخ و التّصميم القاهر.هي هذا الثّبات الخارق و الإقدام المُزلزل.هي هذه الصَّيحة المُدويّة و هذا الرّفض الكبير.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه الأنوثة الحازمة و الرّجولة الباسلة و الطّفولة الرّاشدة و الشّيخوخة المتأبِّية.هي هذه القلوب الحانية و الأحضان الدّافئة و العيون الرّامقة و العواطف و الآمال و الإرادات.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه الشّهادة الكبرى،في جَنَبات الأقصى، و الاستماتة القُصوى و الصّبر الجميل.هي هذا التّحدي الكبير الذي تشهده أرض الإسراء و المعراج و هذه البطولات المُعجزة و التّضحيات الجسام.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد هي هذه المعاناة الفائقة و اللّهجة الصّادقة و الملامح الجميلة و المشاعر المتدفّقة.هي هذه النّبتة الغَضّة و هذا الغَرْس و النَّوْر و هذا الوعي الجديد.

آيات هذا الزّمن الفلسطينيّ الواعد مَنْبتها في غزّة و مَجْلاها في القدس و لاحت من فلسطين.فما أكْرمكِ من آياتٍ في هذا اللّيل العربيّ البَهيم و ما أكْرمَ مَنْبتك و مَعدنك و ما أكْرمَ متقلَّبك و مَثْواك.

سلام الله عليكِ يا قدسُ في الخالدين...


الأحد، 25 أبريل 2021

برنامج الحراك

 

ليس في برنامج الحراك الذي بدأ في 02 فبراير 2019 أنْ يدخل في صراع مع الجيش أو مع الأجهزة الأمنيّة.و ليس في برنامج الحراك،أيضًا، إسقاط الدّولة الجزائريّة البَتَّةَ و إنّما هدفه هو تغيير هذا النّظام البشع الذي قاد البلاد إلى الإفلاس و الخراب و لم يَعُد يملك أسباب وجوده بعدما انتهت  صلاحيّته.هذا هو هدف الحراك و هذا هو برنامجه الكبير.

فَلْيَعرفْ كلّ جزائريّ و جزائريّة طبيعة الطّريق من بدايته حتّى يَسْتَبين الأمرَ و تتّضح أمامه الرّؤيا فلا يكون موضوع تلاعب و أداةً مُغَفَّلة في أيدي الحاقدين أو المُغامرين. 

الاثنين، 5 أبريل 2021

هل تأكل الحراكَ إيديولوجيّاتُه ؟

الحراك مهدَّد بطغيان الإيديولوجيّات التي بدأت تَسْتَعلن و تَطْفو فوق السّطح هنا و هناك.و المتابع لمسيرات الحراك يلاحظ وجود عناصر و لافتات و شعارات تحاول إشعال فتيل التّناحر السّياسي و إدخال الحراكيِّين في  نفق الإيديولوجيّات المُظلم.و إذا كان من واجب الحراك أنْ يكون متنوِّعًا لأنّ قوّته في تنوّعه فليس من مصلحته البتَّة،و ليس ضمانًا لمستقبله و نتائجه، أنْ يكون مُؤَدْلَجًا Idéologisé.

إنّ الحراك،كما أعلن عن نفسه منذ بدايته، هو فوق الإيديولوجيّات و هو إرادة شعب يستهدف بناء دولة العدل و القانون و إنقاذ الوطن من حَمْأة الرّداءة و الفشل التي يتمرّغ فيها و كلّ محاولة لأدْلَجَة هذا الحراك هي إِيذانٌ بفشله و نهايته.

إنّ إحدى نقاط الضّعف في الحراك قد تكون إيديولوجيّاتُه.و لكنّ هذا الحراك حين يتجاوز إيديولوجيّاتِه،فيُعلِّقها أو يُؤجّلها، فإنّه يكون،حينئذٍ، قد تجاوز ضعفه الذي يحاول النّظام الاستثمار فيه و يكون قد اكتسب،في الوقت نفسه، مناعةً و قوّة و نضجًا.

التّحدي الحقيقيّ خلاصتُه في هذا السّؤال: هل يستطيع الحراك أن يكون فوق إيديولوجيّاته فيصبح ذا مَناعة قويّة و نضج يُؤهّله للقيام بدوره التّاريخي أم يستسلم لشَبَح الإيديولوجيّات و حينئذٍ يبدأ مسلسلُ الحراك الذي تأكله إيديولوجيّاتُه...؟ 

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/