الأحد، 13 يونيو 2021

صفْعة ماكرون...


تابعتُ ما كُتب من تعليقات حول حادثة الصّفعة فعجبتُ من هذا المزيج من المواقف المتشابهة و هذا السّيل المتدفّق من عواطف الفرحة و النّشوة و التّلذذ و التّشفي...و تعاظم عَجبي حين رأيت أقوامًا يستدلّون بنصوص دينيّة على صفعة ماكرون!

إنّ الذي يَغيب عن ذهن هؤلاء الفَرحين أنّ الذي حدث للرّئيس ماكرون هو « شأن فرنسيّ داخليّ » لا يُمكن فهمُه إلاّ داخل المنظومة الثّقافية و المنظومة السّياسية الفرنسيّة و ما ينبغي تأويله تأويلاً بعيدًا يتجاوز بيئته و إطاره.و إنّي لأتساءل: كيف سيكون موقف هؤلاء الفرحين المُنْتشِين لو اعتذر،غدًا، الصّافع للمصفوع ؟ و كيف يكون،حينئذ، رأيهم و عواطفهم ؟ 

إنّ السّؤال الجادّ،هنا، هو: ما الذي جعلنا نقف هذا « الموقف البطوليّ » من حادثة هذه الصّفعة التي لم نَصنعها و لم نشارك فيها فنفرحَ و نتلذّذ و نتَشَفَّى و ننْتَشِي...؟ قد تكون السّوابق الذّهنية  و الأسباب التّاريخية و المواقف السّياسية...و لكنّ هذه الدّوافع و الأسباب كلّها ليست كافية،في ظنّي، لفهم سلوكاتنا الغريبة و مواقفنا المهزوزة من هذه الحادثة و من كلّ حادثة مَثيلها أو  قريبة منها.

إنّنا حين يتمدّد الفراغ في واقعنا و تَخلُو يوميّاتُنا من الجهود الكبيرة و حين نفتقر إلى الإنجازات الضّخمة في حياتنا و حين تَصْغُر نفوسُنا في نفوسنا فنصبح عالةً على نفوسنا و نستحيل عبئًا على ذواتنا...حينئذٍ تكون سلوكات الآخرين التي تَعْنيهم وَحْدَهم و مواقف الآخرين التي تَهُمّهم هُمْ دون سواهم و كَبْوَتُهم و سقوطُهم و ألمُهم و حُزنهم...تصبح هذه جميعًا هي « فرحتنا » و هي           « انتصارنا » و تصبح هي « بطولتنا » و هي « مَبلغ لذّتنا »...

كنتُ أتمنّى أن نقف عند فيديو الصّفعة قليلاً و نشاهده مليًّا لنَسْتَبين موقف الرّئيس ماكرون: كيف كان موقفه،في تلك اللّحظة و الحين، من هذه الصّفعة التي تلقّاها ؟ و كيف كان ردُّه بعد زوال مفعول الصّفعة و فُجاءة الحادثة ؟ هل أفقدتْه هذه الصّفعة توازنه و تماسكه ؟ هل ألغَى جولته و قطع زيارته ؟ و كيف كان ردّ المجتمع الفرنسيّ بأطيافه المختلفة و قياداته الفكريّة و السّياسية...؟ و كيف تعامل الإعلام الفرنسيّ،باختلافه و تنوّعه، مع هذه الحادثة...؟

هذه الأسئلة،و كثيرٌ مثلها، هي التي كان ينبغي أن نسألها و هذا هو الذي كان يجب أنْ نفعله و نقف عنده و نحلِّله و نتعلّم منه و نستفيد بدلاً من عواطف هذه الفرحة القادحة و النّشوة الجامحة و التّشفّي المُضحك التي تدلّ على قُصور فينا لا على نُضوج عندنا.

و لكنّنا لم نفعل و لعلّنا لا نملك أيَّ استعداد،في قابل، أنْ نفعل.لماذا ؟ هذا هو السّؤال: لماذا ؟ و هنا قد يطول الحديث و يَجُول و هو حديث ذو ألم و شجون...      

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/