تابعتُ ما كُتب من تعليقات حول حادثة الصّفعة فعجبتُ من
هذا المزيج من المواقف المتشابهة و هذا السّيل المتدفّق من
عواطف الفرحة و النّشوة و التّلذذ و التّشفي...و تعاظم عَجبي حين رأيت أقوامًا
يستدلّون بنصوص دينيّة على صفعة ماكرون!
إنّ الذي يَغيب عن ذهن هؤلاء الفَرحين أنّ الذي حدث
للرّئيس ماكرون هو « شأن فرنسيّ داخليّ » لا يُمكن فهمُه إلاّ داخل المنظومة
الثّقافية و المنظومة السّياسية الفرنسيّة و ما ينبغي تأويله تأويلاً بعيدًا يتجاوز
بيئته و إطاره.و إنّي لأتساءل: كيف سيكون موقف هؤلاء الفرحين المُنْتشِين لو اعتذر،غدًا،
الصّافع للمصفوع ؟ و كيف يكون،حينئذ، رأيهم و عواطفهم ؟
إنّ السّؤال الجادّ،هنا، هو: ما الذي جعلنا نقف هذا «
الموقف البطوليّ » من حادثة هذه الصّفعة التي لم نَصنعها و لم نشارك فيها فنفرحَ و
نتلذّذ و نتَشَفَّى و ننْتَشِي...؟ قد تكون السّوابق الذّهنية و الأسباب التّاريخية و المواقف السّياسية...و
لكنّ هذه الدّوافع و الأسباب كلّها ليست كافية،في ظنّي، لفهم سلوكاتنا الغريبة و
مواقفنا المهزوزة من هذه الحادثة و من كلّ حادثة مَثيلها أو قريبة منها.
إنّنا حين يتمدّد الفراغ في واقعنا و تَخلُو يوميّاتُنا
من الجهود الكبيرة و حين نفتقر إلى الإنجازات الضّخمة في حياتنا و حين تَصْغُر
نفوسُنا في نفوسنا فنصبح عالةً على نفوسنا و نستحيل عبئًا على ذواتنا...حينئذٍ
تكون سلوكات الآخرين التي تَعْنيهم وَحْدَهم و مواقف الآخرين التي تَهُمّهم هُمْ
دون سواهم و كَبْوَتُهم و سقوطُهم و ألمُهم و حُزنهم...تصبح هذه جميعًا هي «
فرحتنا » و هي « انتصارنا » و تصبح هي «
بطولتنا » و هي « مَبلغ لذّتنا »...
كنتُ أتمنّى أن نقف عند فيديو الصّفعة قليلاً و نشاهده
مليًّا لنَسْتَبين موقف الرّئيس ماكرون: كيف كان موقفه،في تلك اللّحظة و الحين، من
هذه الصّفعة التي تلقّاها ؟ و كيف كان ردُّه بعد زوال مفعول الصّفعة و فُجاءة
الحادثة ؟ هل أفقدتْه هذه الصّفعة توازنه و تماسكه ؟ هل ألغَى جولته و قطع زيارته ؟ و كيف كان ردّ المجتمع
الفرنسيّ بأطيافه المختلفة و قياداته الفكريّة و السّياسية...؟ و كيف تعامل
الإعلام الفرنسيّ،باختلافه و تنوّعه، مع هذه الحادثة...؟
هذه الأسئلة،و كثيرٌ مثلها، هي التي كان ينبغي أن نسألها
و هذا هو الذي كان يجب أنْ نفعله و نقف
عنده و نحلِّله و نتعلّم منه و نستفيد بدلاً من عواطف هذه الفرحة القادحة و
النّشوة الجامحة و التّشفّي المُضحك التي تدلّ على قُصور فينا لا على نُضوج عندنا.
و لكنّنا لم نفعل و لعلّنا لا نملك أيَّ استعداد،في
قابل، أنْ نفعل.لماذا ؟ هذا هو السّؤال: لماذا ؟ و هنا قد يطول الحديث و يَجُول و هو حديث ذو
ألم و شجون...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق