السبت، 19 يونيو 2021

الانتخابات الرّئاسية في إيران

 

الانتخابات الرّئاسية في إيران،يوم الجمعة 18 جوان 2021، هي الانتخابات الثّامنة من نوعها منذ زوال نظام الشّاه سنة 1979.و يتنافس في هذه الانتخابات سبعة مرشّحين كلّهم أبناء النّظام أو من الذين تقلّدوا مناصب عليا في الدّولة أو الحكومة.و لا يحقّ للرّئيس الحالي حسن روحاني التّرشح،وفقًا للدّستور، لأنه قضى في هذا المنصب عهدتَين متتاليتَين.

و قد يكون سبب استبعاد بعض المرشّحين المَعْدودين في معسكر الإصلاحيّين و تزكية مرشّحين آخرين يُوصفون بالمحافظين- قد يكون سبب هذا الاستبعاد و الهدف منه،أيضًا، هو تأبيد هيمنة نظام ولاية الفقيه على الحياة السّياسية و تحقيق سيطرة المحافظين على مساحات كبرى من السّلطة،في إيران، و منع كلّ محاولات الانفتاح السّياسي الذي قد يهدّد نظام ولاية الفقيه الذي استحدثه الخميني و طوّره و الذي يواجه معارضة واسعة داخل البلد.و تجيء هذه الانتخابات في أجواء أزمة اقتصاديّة خانقة تعيشها إيران بسبب العقوبات الاقتصاديّة التي فرضتها أمريكا على إيران منذ انسحابها من الاتّفاق النّووي في ماي 2018 و كانت المظاهرات الشّعبيّة في نوفمبر 2019 أحَد مظاهرها.

و بعيدًا عن نتائج هذه الانتخابات و مآلها و ما ينشأ عنها فإنه ينبغي الاعتراف بأنّ إيران قد استطاعت منذ ثورتها على نظام الشّاه سنة 1979 أن تكون قوّة إقليميّة تَجمّع في يدَيها الحلُّ للكثير من القضايا و المعضلات.إنّ إيران بلد كبير له رؤيا هو شديدُ الوفاء لها و له استراتيجيّة هو يتّبعها و ينفّذها.و قد استطاعت إيران،منذ أمَد بعيد، أن تنجح في تحقيق المزاوجة بين العقيدة و الاستراتيجيا و تبسط تأثيرها خارج حدودها فحصدت المكاسب و نالت الاحترام.و إنّ الذين يتابعون المفاوضات القائمة حول ملفّ إيران النّووي،منذ بدايتها، و نتائج هذه المفاوضات و المواقف اﻹيرانية المختلفة في مراحل هذه المفاوضات يدركون أنّ إيران استطاعت أن تتكيّف  مع اﻷوضاع العالميّة القاهرة و تصنع لنفسها مكانًا لائقًا في هذا العالم المضطرب.

و إذا ما قُمنا بمقارنة بسيطة بين إيران و مجموع الدّول العربيّة يتبيّن لنا بوضوح مجموع ما حقّقته إيران في أربعين عامًا و حجم ما تتفوّق به على الدّول العربيّة مجتمعة.و أُولى مظاهر هذا التّفوق هو تأكيد الإيرانيِّين،في خطابهم السّياسي و مواقفهم السّياسية و علاقاتهم الدّولية، على سيادتهم الكاملة في شؤونهم الدّاخليّة و تأكيدهم،أيضًا، على استقلال قرارهم السّياسيّ.

و الذي يُقضَى منه العَجَب أن يكون سلاح العرب الوحيد لمواجهة إيران و مقاومة أطماعها و الحدّ من عبثها في المنطقة العربيّة هو محاربة المذهب الشّيعي و الاكتفاء ببعض الصَّيحات من فوق المنابر المختلفة لا يسمعها أحدٌ سرعان ما تتلاشى كالفُقاعات حين يلامسها الهواء أو الاعتماد على سياسات عربيّة مترهِّلة تخبط خَبط عشواء لا رؤيا لها بعيدة تقودُها و لا استراتيجيّة متماسكة تَسندها تُخلِّف من الرّزية و البَلوَى ما لا يطاق و تصنع من المُضحكات ما هو شَبيهٌ بالبُكَى.

و قد يَغيب عن ذهن هؤلاء جميعًا و وعيهم أنّ إيران تستعمل المذهب الشّيعي و لكنّها لا تعتمد عليه و إنّما يكون تعويلها الكبير،في نهضتها، و اعتمادُها الأوّل على الثّقافة الفارسيّة و قيم الحضارة الفارسيّة التي استطاعت مقاومة المؤثّرات الخارجيّة و استطاعت التّجدد و الانبعاث.    و لتقريب هذا المعنى و إيضاحه ينبغي الإشارة إلى أنّ إيران هي الدّولة الوحيدة،في الشّرق الأوسط، التي بقيت محافظة على تراثها القديم و ثقافتها الفارسيّة خلافًا لمصر و سوريا و العراق التي تحوّلت من الثّقافة الرّومانية أو اليونانيّة إلى الثّقافة العربيّة.

نعم.إنّ الوجود اﻹيرانيّ الذي يتمدّد في المنطقة العربيّة،بطرق واضحة أو ملتوية، ليس مقبولاً البتّة و ينبغي التّصدي له و إيقاف تسلّله.و لكنّ الذين يتصدَّون لمثل هذا العمل، في أيّ مستوى من المستويات، ليس من حقّهم ركوب حصان المذهبيّة اﻷهْوج و ما ينبغي أنْ يكون سائقَهم خطاب الكراهيّة و الأحقاد الذي يعود بهذه اﻷجيال المعاصرة إلى الخلافات المذهبيّة القديمة و ينتقل بعقولها و عواطفها إلى عهد بني أميّة و صراع العباسيّين مع خصومهم.

إنّ إيران بلد كبير بحضارته و بموارده و هو قوّة إقليميّة يُحسب لها حساب و ليس من الذّكاء السّياسي أو الرّؤية الاستراتيجيّة النّاضجة أن يُعادي العرب إيران لأنّ الدّول الاستعماريّة و الصّهيونية تُعاديها.إنّ الحاجز المذهبيّ لا يمثّل عائقًا حيويًّا و هو ليس بمانع و إنّ ما يتقاسمه هذا البلد مع العالم العربيّ من قيم في الثّقافة و لقاء في التّاريخ و وحدة في المصير ليس بالهيِّن و ليس بالقليل...و كلّ أولئك يستلزم وجود رؤيا عربيّة جديدة،لا تقع تحت تأثير الدّول الاستعماريّة الكبرى و لا تكون تابعة لها، تجعل الموقفَ الرّسمي العربيّ من إيران موقف الشّريك،أو الجار، الذي نتبادل معه المصالح و المنافع في ظلّ التّفاهم الواضح و التّعاون المسؤول و الاحترام المتبادل.

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/