الاثنين، 3 يوليو 2023

لماذا بات العرب يهتمّون بكلّ ما يحدث في تركيا ؟

 


https://arabicpost.net/opinions/2023/06/22/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a7/


يتابع العرب،باهتمام كبير، الشّؤون التّركية و مجموع الأحداث و التّطورات التي تشهدها تركيا منذ بداية هذه الألفيّة.و الانتخابات العامّة الأخيرة يوم 14 ماي 2023 تؤكّد حجم هذا الاهتمام و تضاعف درجته.و لكنّ السّؤال هو: لماذا هذا الاهتمام العربيّ الشّعبيّ و الرّسميّ بمجموع الأحداث و الشؤون التّركية ؟

إنّ هناك مجموعة من الأسباب،في ظنّي، هي التي جعلت هذا الاهتمام العربيّ بالشّؤون التّركية العامّة يتمدّد و يتواصل منذ عقدَين من الزّمن.و في الخطوط التّالية إضاءة و تحليل.

أمّا السّبب الأوّل فهو تاريخيّ و توضيح هذا الأمر أنّ العرب و الأتراك كلَيهما كان لهم دور في صناعة التّاريخ كبير و كان لهم،أيضًا، حضور مُهيمن و إنجازات حضاريّة كبرى: فالعرب دخلوا التّاريخ قبل الأتراك و صنعوا حضارة هي نسيجُ وَحْدها لا تزال أجيال الإنسانيّة المتعاقبة تستفيد من ثمارها.و لكن حين صَغُرت همّتُهم و انحصرت اهتماماتهم و اخْتفت مساحات المُثُل و الأفكار في حياتهم زالت قوّتُهم و تَسلّم المشعل منهم الأتراك الذين بسطوا نفوذهم في العالم العربيّ و في مناطق واسعة من العالم و أدَّوا دورهم التّاريخي الكبير في مسيرة الحضارة الاسلاميّة.

هذا اللّقاء التّاريخي بين العرب و الأتراك الذي دام أربعمائة سنة أو تزيد و الذي بدأ بدخول العثمانيّين المنطقة العربيّة،لأسباب مختلفة، منذ بدايات القرن الخامس عشر لا زالت آثاره شاخصة إلى اليوم و لا زالت معانيه محفورة في الضّمير الجمعيّ العربيّ.و لم تستطع سياسات التّتريك الظّالمة،في أواخر الدّولة العثمانيّة، التي كانت سبب القطيعة التّاريخية بين الشّعبَين العربيّ و التّركي و أحد أسباب انهيار الدّولة الإسلاميّة الكبرى التي تزعّمتها الآستانة آنذاك أو وصف الوجود العثمانيّ بالاحتلال للأرض العربيّة...كلّ أولئك ،إذنْ، لم يستطع أن يَكسر هذه الرّوابط التّاريخية القويّة بين الشّعبين الممتدّة في الزّمان و المكان.و كأنّ العرب حين يلتفتون جهة الأناضول و يُولُّون اهتمامهم شَطْر تركيا و يتابعون شؤونها و أحوالها و تفاصيلها إنّما يجدّدون عهدهم بحليف قديم و شريك معتبَر و جار قريب تربطهم به عوامل الحضارة و لقاء التّاريخ و علاقات الجغرافيا و أواصر الرّحم.

التّاريخ،إذنْ، و الجغرافيا و عوامل الحضارة و الانتماء هي أحد أسباب هذا الاهتمام العربيّ الشّعبيّ و الرّسميّ بمجموع الأحداث و الشؤون التّركية.

و لكنّ الذي ينبغي الإشارة إليه،في هذا المقام، أنّ هذه الرّوابط التّاريخية و القيم الثّقافية المشتركة و العلاقات و الأواصر التي كانت مُغَيَّبة،أو مدفونة، في تركيا منذ إلغاء الخلافة الإسلاميّة في 29 أكتوبر 1923 و تأسيس الجمهوريّة التّركية التي قامت على الكماليّة...هذه الرّوابط التّاريخية و الأبعاد الحضاريّة و القيم الثّقافية المشتركة التي تصنع،اليوم، هذا الاهتمام العربيّ و هذا التّواصل و الارتباط إنّما نفخ الرّوحَ فيها و بعثها من مرقدها فأحياها مجموعُ الظّروف السّياسية و الثقافية و النّفسية التي أعقبت نتائج الانتخابات النّيابية في نوفمبر 2002 التي شهدت فوز حزب العدالة و التّنمية و حصوله على 365 مقعدًا من مجموع مقاعد البرلمان و عددها 550 مقعدًا آنذاك.

  أمّا السّبب الثّاني لهذا الاهتمام العربيّ الواسع بتركيا و شؤونها فهو التّجربة التي يخوضها هذا البلد منذ بداية هذه الألفيّة إذْ هي تجربة فريدة استطاعت تحقيق القفزة النّوعيّة في قطاعات عديدة و تحقيق جملة من القرارات و المواقف و السّياسات في ظروف و أوضاع مشحونة بالإكراهات و المتناقضات.و العرب حين يتابعون الشّؤون التّركية و التّحوّلات النّوعية التي تحقّقت في هذا البلد و فصول النّهضة و البناء التي شملت قطاعات حيويّة و استراتيجيّة كالصّناعات العسكريّة و البُنَى التّحتية الواسعة و المشاريع الكبرى و مشاهد الانتخابات و السّلوك السّياسي و مجموع الأحداث و التّطورات فإنّهم يتساءلون: كيف استطاعت تركيا بلدُ الانقلابات العسكريّة التي دخلت دوّامة السّلبية و التّبعية و التّخلف و الفقر منذ أوّل انقلاب عسكريّ في 27 ماي 1960 – كيف استطاعت تجاوز أزمتها و الخروج من نَفَقها المُظلم ؟ و كيف استطاعت تركيا الجديدة أو تركيا ما بعد الحكم العسكريّ أنْ تحقّق،في عقدين من الزّمن، إقلاعًا ظاهرًا بإنجازاتها في الدّاخل و الخارج فتصبح دولة قويّة و محترمة و أكبر إنجاز حقّقته،على المستوى الخارجيّ، هو حضورها القويّ في مسرح العلاقات الدّولية و تأثيرها الظّاهر في الأحداث و السّياسات متوسّلةً بقوّتها النّاعمة و قوّتها الصّلبة و يُحْسب لها كلّ حساب على المستوى الإقليميّ و الدّوليّ ؟ و العرب حين يتساءلون هذا التّساؤل يستحضرون،في الوقت نفسه، وجود تركيا الفعّال في كثير من  المناطق و الأمصارو كذلك حضورها النّوعيّ في حوض البحر الأبيض المتوسّط شرقِه و غربه و في أروبّا و إفريقيا و آسيا و فاعليّتها في الأحداث الدّوليّة و في كثير من القضايا و النّزاعات و التّكتلات تُنافس الكبار و كلمتها مسموعة و هي تصنع لنفسها مكانًا محترمًا في نادي الدّول الكبرى ذات القوّة و الفاعليّة و التّأثير.

و كذلك يتساءل العرب و هم يتابعون المشهد التّركي بفصوله المختلفة و مظاهر القوّة البارزة فيه: كيف استطاع الأتراك،و هم أحفاد السّلاطين الذين حكموا أجزاء كبيرة من العالم، أنْ يَنهلوا من ثقافتهم و يَتَشرَّبوا بتُراثهم و أنْ  ينجحوا في الاستمداد من مجموع القيم التي قامت عليها الأمبراطوريّة العثمانيّة كالقوّة و الصّرامة و السّيادة و النِّدّية و إثبات الذّات و تحقيق الوجود و استقلاليّة القرار السّياسي و رفض التّبعية و الإملاءات و الاعتزاز بالهويّة و الانتماء.

و كأنّ العرب الذين يئنّون تحت أنظمة الاستبداد المترهِّل الذي قتل فيهم إنسانيّتهم و دفن مواهبهم و عطّل طاقاتهم و صيّرهم أرقامًا متشابهة – كأنّ العرب بهذا التّساؤل و هذه الالتفاتة و هذا الاستحضار إنّما يجدون في التّجربة التّركية مثالاً ممكنٌ اتّباعُه أو الاستفادة منه و متنفَّسًا لأوضاعهم الصّعبة أو مَخرجًا مأمولاً لظروفهم البائسة و نموذجًا قد يُحْتذَى به يتطلّعون إليه و يُؤَمِّلون قيامه في أوطانهم.

و لكن..هل يمكن للعرب أنْ يستفيدوا من التّجربة التركية ؟ و ما هي مظاهر هذه الاستفادة و حدودها ؟ أسئلة كبيرة و جادّة من هذا القَبيل موضوعة أمام صنّاع القرار و ذَوي النّباهة و الفكر و كلّ المهتمّين بإصلاح الأوضاع العربيّة القاتمة التي بلغت مستويات لا تُضاهَى من التّخلف و الانكسار و البؤس و السّلبية و الإفلاس.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/