الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

الخَلْق المستمرّ

الحياةُ حياتان: حياة عاديّة سطحيّة باردة كئيبة لا بَنَّةَ لها و لا طَعمَ و لا لون و هي شبيهة،إلى حدّ كبير، بحياة القطيع و الحيوان.و هنالك الحياة الأخرى التي تُشْبِعُك و تَستَوعبُك و تملأ أعصابك و خلاياك حِين تكون حياتُك في خَلْق مُستمرّ فتذوق مِن العواطف القويّة ما تَذوق و من الآلام الكبرى و اللّذات و ما يَنشأ عن هذه و تلك مِن معانٍ و دلالات و ما تُخلِّفه،هذه التّجارب و الأحداث، مِن آثار و عَقابيل أو تُرسِّخه،في أعماق النّفس، من قوّة و إيمان و و رجاحة و اكتمال  و بَصيرة و إبصار و عِناد و تَصميم...

 حين تكون حياتُك هي خَلْقٌ مستمرّ في كلّ وَضْع و حِين: في الصّباح و المساء و في اللّحظة و ما بَعدَ الحِين و في اليوم و الغَد و في الصّحة و المرض و في الفَقر و الغِنَى و في الوَجْد و الفَقْد و في النَّهضة و السّقوط و في الخَلْوة و الجَلْوة و في الفَرحة و الحزن و في اللّذة و الألم...

و حين تكون تَجلِّياتُ هذا الخَلق المستمرّ غالبة في الشّعور و الوجدان و في الهواجس و الخواطر و في الخَفَايا و الحَناَيا و طافحة في المواقف و الأفكار و في المقاصد و النِّيات و في العزيمة و الإرادات...

 حين تكون حياتُك هي هذا الخَلْق المستمرّ في كلّ الأزمنة و في كلّ الأودية و الأوضاع و تكون تَجلِّياتُها غالبة طافحة فإنّها تكون،حينئذ، حياةً أكبرَ من مجرّد حياة و أعمق سَيلاً و أكثرَ جاذبيّة و أوسعَ تأثيرًا.و هذا الخَلْق المستمرّ هو الذي يَخْلُقك،دائمًا، خَلقًا آخر و هو الذي يَهَبُ لحياتك طَعمًا و بنَّة و لَونًا و هو الذي يُجدِّدك و يُؤكِّدُك و هو الذي يُنمِّيك و يُحْيِيك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/