الاحتجاجات الشّعبيّة متواصلة،في فرنسا، منذ ثلاثة أسابيع.و الذي أشعل هذه
الاحتجاجات شيء واحد و هو الزّيادة التي فرضتها الحكومة في أسعار الوقود.هذا هو الظّاهر و لكنه ليس هو السّبب الحقيقيّ أو الوحيد.فالمتابع لهذه الاحتجاجات و لمواقف المحتجِّين و بياناتهم يدرك أنّ هذه الزّيادة في أسعار الوقود لم تكُنْ سوى القطرة التي أفاضت الكأس و أشعلت نار الاحتجاجات و ما صاحبها من خسائر و تدافع و صدام في العاصمة الفرنسيّة و في كامل المدن و الأقاليم.و خلاصة ما يُفهم من مطالب هذه الجماهير المُحتجّة التي تَلقى التّأييد الشّعبيّ الواسع أنّ الظّلم،هكذا يقولون، هو سبب احتجاجهم و هو سبب اتنفاضتهم.و هم يحدّدون هذا الظّلم بأنواعه المختلفة: الظّلم الاجتماعيّ و الظّلم السّياسي و الظّلم الاقتصاديّ...و قد ذهب شعورهم بالظّلم إلى حدّ المطالبة باستقالة الرّئيس ماكرون و استقالة الحكومة و حلّ البرلمان!
و الذي يُستفاد من هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،و من
مَثيلها، مجموعة ملاحظات و هي:
1- أنّ الغضب الشّعبيّ و الانتفاضات الشّعبيّة لا يمكن
التّنبؤ بها تنبّؤًا كاملا لأنها تخضع لمؤثِّرات كثيرة و معقَّدة لا تستطيع مراكز
البحث أو استطلاعات الرّأي المختلفة أن تُدركها لأنّها تجيء مِن وراء الرّسوم و الحدود
و الإرادات.
2- أنّ الإحساس بالظّلم هو المحرّك الحقيقيّ للشّعوب.و
قد يتخفَّى هذا الإحساس بالظّلم وراء مطالب مختلفة كالمطالبة بالعَيش الكريم و
الزّيادة في الأجور و الانتخابات النّزيهة و توفير الخدمات العامّة و محاسبة
الفاسدين...و لكنّ هذا الإحساس بالظّلم يظلّ،في أعماق النّفس، قابعًا أو خانعًا
يتعاظم و يتفاقم.و حين تضيق به النّفس فلا تتحمّله أو يضيق هو بمساحة هذه النّفس
فلا تَسَعه ينفجر انفجارًا في عالم الحسّ و الواقع و قد يأتي،حينئذ، على الأخضر و
اليابس.
3- أنّ هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،كغيرها من الاحتجاجات و
الانتفاضات التي شهدها هذا القرن الجديد، ولادتها عفويّة فُجائيّة و لا تتبنّاها
أو تتقدّمها القيادات السّياسيّة أو الفكريّة أو الدّينيّة أو النّقابيّة...و كأنّ
هذه الشّعوب تُعلن بصنيعها هذا عن خصومتها و موقفها الرّافض لهذه القيادات جميعها
التي أصبحت،كلّها أو جلّها، بشكل أو بآخر جزءً من منظومة تكرّس الظّلم المُسلَّط
على هذه الشّعوب و تُزيِّن لها الانحناء و المطاوعة و الاستسلام.
4- أنّ الألفيّة الثّالثة،التي شهدت انتفاضات شعبيّة
مختلفة في الوطن العربيّ و في مناطق مختلفة من العالم، ستكون هي ألفيّة الشّعوب
الظّامئة إلى قيم الحرّية و العدالة و المساواة و أنّ مستقبل القيادات السّياسيّة و
الفكريّة و الدّينيّة و النّقابيّة و مصداقيّتها مرهون بطبيعة موقفها من الحكومات
و بمَدى تفاعلها مع الواقع اليوميّ
للشّعوب و مقيَّد بمدى انحيازها للمطالب الطّبيعيّة لهذه الشّعوب و مرتبط بحجم استجابتها
و تحمّلها لهذه المواقف و المسؤوليّات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق