الأحد، 2 ديسمبر 2018

الاحتجاجات الشّعبيّة في فرنسا













الاحتجاجات الشّعبيّة متواصلة،في فرنسا، منذ ثلاثة أسابيع.و الذي أشعل هذه 
الاحتجاجات شيء واحد و هو الزّيادة التي فرضتها الحكومة في أسعار الوقود.هذا هو الظّاهر و لكنه ليس هو السّبب الحقيقيّ أو الوحيد.فالمتابع لهذه الاحتجاجات و لمواقف المحتجِّين و بياناتهم يدرك أنّ هذه الزّيادة في أسعار الوقود لم تكُنْ سوى القطرة التي أفاضت الكأس و أشعلت نار الاحتجاجات و ما صاحبها من خسائر و تدافع و صدام في العاصمة الفرنسيّة و في كامل المدن و الأقاليم.و خلاصة ما يُفهم من مطالب هذه الجماهير المُحتجّة التي تَلقى التّأييد الشّعبيّ الواسع  أنّ الظّلم،هكذا يقولون، هو سبب احتجاجهم و هو سبب اتنفاضتهم.و هم يحدّدون هذا الظّلم بأنواعه المختلفة: الظّلم الاجتماعيّ و الظّلم السّياسي و الظّلم الاقتصاديّ...و قد ذهب شعورهم بالظّلم إلى حدّ المطالبة باستقالة الرّئيس ماكرون و استقالة الحكومة و حلّ البرلمان!    
و الذي يُستفاد من هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،و من مَثيلها، مجموعة ملاحظات و هي:
1- أنّ الغضب الشّعبيّ و الانتفاضات الشّعبيّة لا يمكن التّنبؤ بها تنبّؤًا كاملا لأنها تخضع لمؤثِّرات كثيرة و معقَّدة لا تستطيع مراكز البحث أو استطلاعات الرّأي المختلفة أن تُدركها لأنّها تجيء مِن وراء الرّسوم و الحدود و الإرادات.
2- أنّ الإحساس بالظّلم هو المحرّك الحقيقيّ للشّعوب.و قد يتخفَّى هذا الإحساس بالظّلم وراء مطالب مختلفة كالمطالبة بالعَيش الكريم و الزّيادة في الأجور و الانتخابات النّزيهة و توفير الخدمات العامّة و محاسبة الفاسدين...و لكنّ هذا الإحساس بالظّلم يظلّ،في أعماق النّفس، قابعًا أو خانعًا يتعاظم و يتفاقم.و حين تضيق به النّفس فلا تتحمّله أو يضيق هو بمساحة هذه النّفس فلا تَسَعه ينفجر انفجارًا في عالم الحسّ و الواقع و قد يأتي،حينئذ، على الأخضر و اليابس.
3- أنّ هذه الاحتجاجات الشّعبيّة،كغيرها من الاحتجاجات و الانتفاضات التي شهدها هذا القرن الجديد، ولادتها عفويّة فُجائيّة و لا تتبنّاها أو تتقدّمها القيادات السّياسيّة أو الفكريّة أو الدّينيّة أو النّقابيّة...و كأنّ هذه الشّعوب تُعلن بصنيعها هذا عن خصومتها و موقفها الرّافض لهذه القيادات جميعها التي أصبحت،كلّها أو جلّها، بشكل أو بآخر جزءً من منظومة تكرّس الظّلم المُسلَّط على هذه الشّعوب و تُزيِّن لها الانحناء و المطاوعة و الاستسلام.
4- أنّ الألفيّة الثّالثة،التي شهدت انتفاضات شعبيّة مختلفة في الوطن العربيّ و في مناطق مختلفة من العالم، ستكون هي ألفيّة الشّعوب الظّامئة إلى قيم الحرّية و العدالة و المساواة و أنّ مستقبل القيادات السّياسيّة و الفكريّة و الدّينيّة و النّقابيّة و مصداقيّتها مرهون بطبيعة موقفها من الحكومات و بمَدى  تفاعلها مع الواقع اليوميّ للشّعوب و مقيَّد بمدى انحيازها للمطالب الطّبيعيّة لهذه الشّعوب و مرتبط بحجم استجابتها و تحمّلها لهذه المواقف و المسؤوليّات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/