الخميس، 21 يوليو 2016

الخطاب السّياسيّ الرّسميّ في تركيا



الخطاب السّياسيّ الرّسميّ،في أيِّ دولة، يدلّ على طبيعة هذه الدّولة و يعبّر عن ماهيِّتها و موقفها من الأحداث و المستجدّات و يَكشف عن ضعفها أو قوّتها و هو يدلّ،في الوقت نفسه، على مَدى تمتّع الدّولة، أيِّ دولة، بسيادتها الكاملة و استقلال قرارها السّياسيّ.و إنّ المتابع للشّأن التّركي منذ عَقد أو يزيد و المتأمّل في الخطاب السّياسيّ الرّسميّ طُول هذه الفترة يَلمس حرص السّاسة الأترك على الإعلان عن سيادتهم و استقلال قرارهم السّياسيّ.
و قد أكّدت أحداث الانقلاب الفاشل الأخير و ما تَلاه من ردود مختلفة على المستوى الدّوليّ و ما تَبعه من تدخّل أوروبيّ صريح أو قبيح في الشّأن التّركي- أكّدت هذه الأحداث كلّها أنّ الخطاب السّياسيّ التّركي الرّسميّ خطاب جادّ و مسؤول يَعرف كيف يكون في مستوى الأحداث و الملمّات لا يُجامل و لا يُهادن في المواضيع الكبرى والقضايا المصيريّة التي تهدّد أَمنَ البَلد و استقراره و حاضره و مستَقبله و أنّ هذا الخطاب السّياسيّ الرّسميّ يَصنعه مسؤولون جادُّون وَعْيهم بمسؤوليّتهم كبير و شعورهم أكبر بهذه المسؤوليّة تِجاه الشّعب و الوَطن.
و يَكفي متابعة ردّ المسؤولين الأتراك على التّدخل الأوروبّي في شؤونهم الدّاخليّة و ردّهم المفْحِم على الأمريكيّين في شأن السّيد فتح الله غولن و شأن الانقلاب و ما نشأ عنه من قضايا و متابعات و تراجع الموقف الأمريكيّ و اعتراف البيت الأبيض،ضِمْنيًّا، بسيادة الأتراك فوق أرضهم و تفهّمه لملاحقة الانقلابيّين و محاكمتهم...يَكفي الوقوف عند هذه المظاهر ليَستبين حرصُ المسؤلين الأتراك على التّأكيد على سيادتهم الكاملة في شؤونهم الدّاخليّة و استقلال قرارهم السّياسيّ.و في السّياق نفسه يتجلَّى الفَرق الكبير بين الخطاب السّياسيّ التّركي الرّسميّ ذي السّيادة الظّاهرة و المسؤوليّة و الاستقلال و الخطاب السّياسيّ العربيّ الرّسميّ المتهافت الذّليل الكَسير الذي ليس له لَون أو رِيح و ليس له أرض أو وَطن أو عنوان يتقلَّب في التّبعيّة يَستعذبها و يتمرّغ في الذِّلة يَستَمرئها ساترًا عُيوبه و مَثالبَه بالعبارات الضّخمة و الألقاب الفخمة و الدَّجل و الخَبَل و التّزويق و التّزوير.
و قد يُقال في شرح هذه الظّاهرة بأنّ الأتراك حكموا العالم قرونًا فهم أحفاد السّلاطين و الأحفاد،كالآباء و الأجْداد، لهم صَولة و عِزّة و لهم إبَاء و كبرياء.و قد يكون هذا الأمر صحيحًا بنِسبة أو بنِسبٍ ما و لكنّه لا يُفسِّر وَحده حضور هذه الظّاهرة في الخطاب السّياسيّ الرّسميّ عند الأتراك و غيابها في الخطاب السّياسيّ العربيّ الرّسميّ.و دليل ذلك أنّ العرب،هم أيضًا، قد حَكموا العالم قرونًا طويلة و ملأوا الدّنيا عَدلاً و مساواة و ثقافة و علومًا و حركة و عمرانًا...و هَا هُمْ،اليومَ، في ذَيل القاقلة لا سيادةَ لهم و لا استقلال لا يَملكون أَمر يَومهم و لا يَستطيعون أُمور غَدِهم سياستُهم ليست بأَيديهم و قرارُهم في يَد عَدوّهم بُلدانُهم مُحتلَّة و ثرواتهم مَنهُوبة و أراضيهم مَسلوبة لا يُؤْبَه لهم إذا غابوا و لا يُستأذَنون إذا حضروا...
الجانب التّاريخيّ،إذَنْ، و أمجاد الماضي و قِيَم الانتماء كلّ أولئك لا يَصلح وَحدَه تفسيرًا لحضور هذه الظّاهرة في الخطاب السّياسيّ عند المسؤولين الأتراك و يَنبغي البحث عن القيم الحقيقيّة التي تظاهرت على صَناعة هذا الخطاب الذي يَنضح سيادةً و قوّة و حرّية و استقلالاً علَّنا نستفيد منه أو يَفتح لنا أبوابًا من الفهم و ألوانًا من المعرفة و الوَعي.        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/