الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

الكتابة معاناة

 

إنّ الكتابة معاناة و إنّي لأكاد أجزم أنّ المعاناة لا تظهر في شيء كما تظهر في عمليّة الكتابة.و لقد أساء إلى الكتابة كثيرًا و شوّهَ مُحيَّاها طوائفُ من المثقّفين و المتعلّمين حين أفْرغوها من كلّ معاناة فأصبحت،عندهم، عملاً هيِّنًا بسيطًا يمارسونها كما يمارسون بعض الوظائف الحيويّة أو الهوايات.

و إنّه ليكفي متابعة ما يُسجَّل في أغلب الصّحف و المجلاّت و ما يُسطَّر في بعض الكتب و الأسفار ليَستَيقن المرء أنّ الكتابة،في هذه الأيّام، بَهَت لونُها و هان شأنُها و زال تأثيرها حين تصدَّى لها أصناف من الناس يفتقرون إلى الوسائل و تُعوزهم الأدوات و لا يَحُوزون القدرة على الوفاء بأكبر مقتضيات الكتابة ألا و هي المعاناة.و بسبب هذه الأصناف المزدحمة عند باب الكتابة،زُورًا و ادِّعاءً، أو نتيجةً لجرأتهم استحالت الكتابة موتًا و مواتًا بدلاً من أنْ تكون بعثًا و حياةً و نشورًا.

إنّ الكتابة معاناة في الظاهر و الباطن: معاناة في الألفاظ و الكلمات و في الجمل و العبارات و في الإطار و الأشكال.و معاناة في المعاني و المضامين و في اللَّطائف و الأبعاد و الإيحاءات.و معاناة في النّظم و الترتيب و الجمع و التّنسيق.إنّ المعاناة لحاضرة في كلّ مراحل الكتابة: في أوَّلها و في وسطها، في مبدئها و في مُنتهاها.و هي كذلك حاضرة في مُنعطفاتها و منحنياتها و في زواياها و ثناياها و في لُحمتها و سَداها.

و إنّ هذه المعاناة لحاضرة،فضلاً عن ذلك كلّه ،في مجموع الظّروف النّفسية التي ترافق عملية الكتابة و تتلبَّس بها و في حالات المزاج المختلفة التي تتخلّلها و في لحظات التأمّل و الاستبطان التي تغشاها كما هي حاضرة في ذلك المزيج الحادّ من عواطف اللّذة و الألم و السّأم و الملل و الشّك و اليقين و القُدرة و العجز و البَسط و القَبض و التّدفق و النّضوب و الاندفاع و التّريث و الإقبال و الإدبار و السّمو و الدّنو...بل إنّ حضورها ليمتدّ،أحيانًا، عند بعض الكاتبين الكبار و يتعاظم و يستطيل فيُصاحبهم حينًا مَديدًا بعد فترة الكتابة و الإبداع و يَغْشاهم آناءً بعد التّسطير و النّهاية و التّمام.

و كلَّما كانت المعاناة كبيرة استنفدت طاقاتِ الكاتب و استهلكت عُصارتَه و اختلطت بدمه  و أعصابه و حينئذ،فقط،تفوز هذه الكتابة بالخلود و تحظَى بالدّوام و الامتداد فتَسْكن القلوب و العقول قبل أنْ تسكن الغَيب و المستقبل و حياة الأجيال.أما تلك الكتابة التي وُلدت باردة هامدة جامدة لأنّها لم تُصْهَر في بَوتقة المعاناة فإنّ أحدًا من الناس لا يَأويها و لا هي تجد من يحتضنها و يتبنّاها لأنها وُلدت ميّتةً و الناس لا يتبنَّوْن الأموات.


الخميس، 17 سبتمبر 2020

الوطن المنفَى

المَنْفَى هو اسم مكان من فعل نَفَى يَنفي نَفيًا.و يَجِيء هذا الفعل،في معاجم اللّغة، للدّلالة على معانٍ متقاربة منها: الإخراج و الإبعاد و الطَّرد و التَّنحية و الإنكار  و الجحود.و عقوبة النَّفي،في القانون، هي الحُكم بإبعاد شخص من بَلده و إقامته في بَلد آخر لمدّة معيَّنة أو مَدَى الحياة.و المَنْفَى هو مكان إقامة المَنْفيِّ من وطنه.

و السّؤال هو:هل يكون الوطن مَنْفًى ؟ و هل هناك نَفْيٌ في الوطن ؟ و كيف يكون الإنسان منفيًّا في وطنه ؟

- النَّفْيُ في الوطن هو أنْ تَحْيا في وطنك و منزلك و بَين أهلك و ذَويك سالمًا مُعافًى و لكنّك كارهٌ لمُقامك ضائقٌ بوجودك ماقِتٌ لوضْعك يائسٌ من كلّ ما حَولك تتمنَّى زَواله أو الانتقال عنه.

- النَّفْيُ في الوطن أنْ تُسلَب حرّيتك و اختيارك و أنْ يُصادَر تفكيرك و أنْ تُرْتَهن عواطفك و ميولاتك ثمّ يُقال لك ترغيبًا أو ترهيبًا: هذا هو الطّريق فاسْلُكه و هذا هو الرَّأي فالْزَمْه و هذا هو العقاب فاحْذَره. 

- النَّفْيُ في الوطن أنْ تُقْتَل فيك مواهبُك و أنْ تُعطَّل طاقاتُك و أنْ تُسْرق منك أحلامُك و تطلّعاتك و أنْ تَموت في أعماقكَ إنسانيّتُك،يومًا بعد يوم، حتَّى تُصبح أنتَ نفسَك نسخةً مزوَّرة عن شخصيّتك و حقيقتك.

- النَّفْيُ في الوطن هو أنْ تَشعر بالغُربة و العذاب لأنّك لا تملك يَوْمك الذي أنتَ فيه و لا تستطيع أنْ تُسطِّر غَدك الذي أنت مُقْبلٌ عليه و تُوضَع أمامك كلُّ القوانين و العقبات و الإجراءات لكي لا تَحْيا حياة إنسان مُكرَّم و لا تعيش عِيشة مواطن مُعْترَف بقيمته و وجوده.

- النَّفْيُ في الوطن هو هذا الشّعور المُرّ الثّقيل القاتم الذي يَلْبسُك و لا تَلْبسُه و يَجْثُم على صدرك فلا يُفارقه و يَقودك فلا تُقاومه و يُمْلي عليك فلا تُقاطعه.

- النَّفْيُ في الوطن هو هذه الأوضاع السّياسية و الاقتصادية و الثّقافية و الاجتماعيّة التي تَسْلُب الإنسانَ المواطن خصائصه الإنسانيّة الكُبرى التي بها عُرِف في عالم الغَيب و بها يَتميّز في عالم الشّهادة و الحِسّ فيُصبح مطرودًا في وطنه و مُبْعَدًا و مَقصيًّا أو يَستحيل مخلوقًا مشوَّهًا أو بهيمة عَجْماء أو شيئًا غير ذي قيمة و ذِكر.  

- النَّفْيُ في الوطن هو إعلانٌ لمَوت المواطن و مَوتِ أحلامه و أشواقه و هو قَتْل لإنسانيّته و تميّزه و هو مصادرة لإرادته و اختياره و هو تعطيل لطاقاته و تَكْبيل لقدراته و هو مطاردة لوَعْيه و أفكاره و هو إنكار لذكائه و إبداعه...

- و النَّفْيُ داخل الوطن هو هَدْمٌ للوطن لأنه هَدم لقاعدته،و هو المواطن، و هَدْمٌ لعمودِه و زاويتِه. 

الأربعاء، 22 يوليو 2020

المعركة حول لقاح الكوفيد - 19

المعركة مُحتدمة،هذه الأيّام، حول الحصول على لقاح للكوفيد-19 و تسويقه بين شركات الدّواء الكبرى مثل: AstraZeneca, Pfizer, Sanofi, Johnson & Johnson   و غيرها إضافة إلى الصّينيّين الذين يعملون في صمت بعيدًا عن الأضواء.

و قد أعلنت بعض شركات الدّواء أنها قد انتقلت إلى المرحلة الثّالثة،في هذا الشّأن، و هي مرحلة استعمال اللّقاح  في الظّروف الحقيقيّة و معرفة الجُرعات و المقادير اللاّزمة للتّأكد من فاعليّة اللّقاح و اختبار قدرته على إنتاج الجسام المضادّة Anticorps  داخل الجسم المُصاب.

و الحقّ أنّ شركات الدّواء الكبرى و الدّول الدّاعمة لها قد انتقلت من معركتها إلى تحقيق الصّحة العموميّة و الأمن الصحي إلى معركة اقتصاديّة و سياسيّة شرسة غايتها تحقيق السّيطرة و الغَلَب و التّحكم و الابتزاز السّياسي و بسط النفوذ في عالم مَهووس بامتلاك القوّة كلّ أنواع القوّة و لا يعترف بالضّعيف إلاّ بمقدار طواعيّته و خضوعه.

و إذا كان موضوع الصّحة و الصّحة العموميّة عاملاً أساسيًّا في عمليّة التّنمية الشّاملة فما هو موقف الجزائر من هذه المعركة المحمومة حول هذا اللّقاح و ما الذي أعَدَّته لمواجهة كلّ الاحتمالات النّاشئة من هذه المعركة و التي قد تهدِّد سيادتها و أمنها القوميّ ؟

 

الجمعة، 5 يونيو 2020

جورج فلويد George Floyd







08  دقائق و 46 ثانية...

في 08 دقائق و 46 ثانية تمّ قتل جورج فلويد George Floyd خَنقًا على المباشر.

و هذا القتل الوحشيّ حرّك شعوب العالم على اختلاف ألوانها و لغاتها و دياناتها فقامت مندّدة لا تُخفي كُرهها للظّلم و الظّالمين...

و إن هذا القتل الوحشيّ على المباشر الذي حرّك شعوب العالم و وحّد وقفتها أعاد إلى الواجهة الحديث عن القيم الإنسانيّة الخالدة التي تتطلّع إليها هذه الشّعوب و هي الحرية و العدالة و سيادة القانون...

و المؤمَّل أن يشهد القرن الحادي و العشرون عودة الشّعوب و انتعاش هذه القيم الإنسانيّة التي اغتصبها طغاة السّياسة و طغاة المال.





الثلاثاء، 26 مايو 2020

العيد في زمن الوباء


هل يَفقد عيد الفطر،هذا العام، قيمتَه و لذّته و آثاره ؟ و هل يكون عيد،هذا العام، عيدًا « حزينًا » ؟

نعم.إنّ العيد بمعناه الكامل المتعارَف عليه في الإسلام و المتعارَف عليه عند النّاس لم تتحقّق كلُّ أوصافه و لم تتهيَّأ كلّ ملابساته في عيد فاتح شوّال 1441 الموافق ل: 24 ماي 2020.و لكنّ هذا العيد ليس عيدًا حزينًا بل هو عيد مميَّز بسبب الوباء و مخلَّفاته.و هو لم يَفقد قيمته و آثاره لأنّ قيمته و آثاره لا علاقة لها بالأسباب الخارجيّة.

إنّ لعيد الفطر قيمتَه الجَوّانية التي تُصاحبه و آثارَه المختلفة اللّصيقة به التي يكتسبها من امتحان الصّوم و الالتزام بآدابه،أيّام رمضان، و من ناشئة العَشر الأواخر المشهودة في الأرض و السّماء و من مجموع العبادات و الصّدقات،في هذه الأيّام، و من طبيعة الهواجس و المقاصد و النّيات التي تسكن قلب المؤمن و من عموم علاقته بربّه و مراقبته له في هذا الشّهر العظيم.

إنّ العيد جائزة و الجائزة تَعقُب الامتحان و الامتحان هو رمضان.و لا تَفقد هذه الجائزة قيمتها و آثارها و حلاوتها بسبب ظروف طارئة و ملابسات.

إنّ عيد الفطر هذا العام شَببه،مع الفارق، بعبادات أخرى يمارسها المؤمنون في أوضاع غير طبيعيّة و ظروف.إنّ الصّلاة،و هي عمود الإسلام، قد يؤدّيها المؤمن،عند الضّرورة، بغير وضوء و قد يصلِّيها قاعدًا أو مُستلقيًا أو بالإيماء.و هذه الصّلاة نفسها في زمن الخوف و الشّدة و الحرب تُؤدَّى بشكل آخر مختلف.

فهل تَفقد هذه الصّلاة الواجبة بسبب هذه الظّروف المختلفة قيمتها و آثارها.إنّ الذي يبدو لي أنّ قيمة هذا العيد و آثاره و كذلك قيمة كلّ العبادات و آثارها لا علاقة لها،في المقام الأوّل، بالأسباب الخارجيّة و الملابسات.و لستُ أستبعد إضافات المُحيط العامّ و البيئة الخارجيّة و الملابسات،أو أَنْفيها، في تحقيق الشّعور القويّ بالعبادة و رسم جمالها و جاذبيّتها و لكنّ الذي أُشير إليه أنّ كلّ ما يتحقّق من العبادات المختلفة إنّما هو مسألة باطنيّة مَهْدها الأوّل و مبدؤها ثمّ مَشْهدُها أعماقُ النّفس و أحوالُها و ليس الحياة العامّة و ملابساتها.

إنّ الذي يستفيده المؤمن و يتعلّمه من عيد الفطر 1441- 2020 هو أنّ إرادة الله غالبة في الإنسان و الأكوان في كلّ حال و وقت و آن: في الصّحة و المرض و في العطاء و المَنع و في البَسط و القَبض و الوُجْد و الفَقد...و أنّ من مقتضيات الإيمان أنْ يتأقلم العبد المؤمن مع مجموع هذه الأوضاع و أنْ يُساير،في أحواله كلّها، إرادة الله القاهرة.


الخميس، 30 أبريل 2020

التّعبئة



التّعبئة نوعان: تعبئة حسّية و التّعبئة الأخرى.فأمّا التّعبئة الحسّية فيتحقّق بها صلاح الجَسد و بقاؤه و يتوقَّف عليها قوّتُه و قِوامه.و أمّا التّعبئة الأخرى فهي التّعبئة الرّوحية و بها يتحقّق صلاح الإنسان حِسًّا و معنًى في هذه الحياة و في الأخرى.و هي التي تُعطي للوجود الإنسانيّ،في هذه العاجلة، وظيفةً و معقوليّةً و معنىً.

و إنّ رمضان هذا الزّائر السّنوي غايتُه الأولى هي تحقيق هذه التّعبئة الرّوحية و البلوغ بها إلى أقصى الدّرجات و تنمية الخصائص الإنسانيّة و المواهب الإلهيّة،في هذا المخلوق البشريّ، من خلال تعرّضه للنّفحات الإلهيّة الكُبرى التي يَحُوزها رمضان، شهرُ الله، دون سائر الشّهور.

 إنّ التّعبئة الرّوحية،في رمضان، لذَّتَها و قوّتَها و تأثيرَها لها حال لا يُشبه أيَّ حال في كلّ الأحوال: فهي تبدأ شيئًا قليلاً،في أوّل رمضان، ثمّ تَتزايد و تتصاعد،في وسطه، فتصبح حبيبةً إلى النّفس ثمّ تتعاظم هذه اللّذة،في العشر الأواخر، فتَزهو بها النّفس و تَصفُو صفاءً و تَأنس إليها فلا تَبغي عنها حِوَلاً.

و حين تصل هذه التّعبئة الرّوحية أوْجَها و مستوياتِها العُلَى فتتشبَّع بها النّفوس المؤمنة و تَستَنيم لها و تطمئنّ إليها و ترتاح يُؤذِّن مؤذِّن من قِبَل الله أنْ يا أيُّها الضَّيفُ قد أزِف الرَّحيل و حان الفِراق.

فطُوبى لِمن كانت تعبئتُه في،في رمضان، هي التّعبئة المُثلَى فَذاق و شاق و فاق و ما مَاق.و طُوبى لكلّ نفس مُؤمنة تَشبَّعتْ لذّةً و امتلأت حبًّا،في رمضان، و امتلأت شَوقًا فظلّ شَوقُها و حَنينُها يُناجي الضَّيف الحبيب الذي فارق و فَصَل.         

الخميس، 23 أبريل 2020

رمضان في زمن الوباء






هذا أسوء رمضان نصومه!

هذا ما يقوله بعض النّاس و هم ضائقون من الصّيام في زمن الوباء. 

إنّ هذا الكلام،بصرف النّظر عن قائله، لا يَليق بالعبد المؤمن و لا يُستساغ و هو مجانب لمُقتضيات العبوديّة و مناقض للأدب الواجب مع الله جلّ و علا.

إنّ قدر الله سائر في الخلائق كلِّها.و إنّ قدر الله ماضٍ في الأكوان كلِّها.و إنّ الله يفعل ما يشاء و لا رادَّ لقضائه و لا يُسأل عمّا يَفعل و عباده يُسألون.و حين ينزل قَدَر الله فليس أمام العبد المؤمن سوى الإذعان و التّسليم و مدافعة قَدَر الله بأقدار الله و ملازمة بابه مع الإلحاح في المسألة و إظهار التّذلل الذّليل و التّضرع الجليل و التّطلع إلى فَرَج الله و واسع رحمته.

هذا هو سلوك المؤمن.و هذا هو موقفه و هذا هو شعوره.أمّا الاعتراض المُبَطَّن على قَدَر الله و التَّعالم و الادِّعاء و التّنطع و التَّفَيهق و التَّشدق...فهذه بضاعة الحَمقَى و الفارغين الذين لا يُحسنون صُنعًا في الأوقات كلِّها: في العافية و الرّخاء و حين البأس و عند نزول الشّدائد و البلاء.

 

 

 

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/