الاثنين، 30 مايو 2022

Diam’s

قُدّم،يوم 26 ماي الأخير، الفيلم الوثائقيّ ( سلام ) Salam في عرض خاصّ في الدّورة 75 لمهرجان كان السّينمائيّ بفرنسا.و يتناول هذا الفيلم حياة مغنّية الرّاب الفرنسيّة الشّهيرة Mélanie Georgiades التي اعتزلت الفنّ و الغناء بعد إعلان إسلامها منذ أكثر من عشر سنين.و في هذا الفيلم تنقل إلى النّاس وَفْق رؤيتها و بكلماتها و عواطفها حقيقتَها.و هذا الفيلم،كما تقول، لا يحكي قصّة امرأة فقط و لكنّه قصّة إنسانيّة أيضًا.

و Diam’s من موليد 1980 في قبرص حقّقت شهرة كبيرة في عالم الرّاب منذ بداياتها في تسعينيّات القرن الماضي و كانت مرجعًا للشّباب و تمثّل صرختهم في العقد الأوّل من هذا القرن.و قد اختارت اسمًا للشّهرة هو Diam’s   المشتقّ من كلمة Diamant الفرنسيّة بمعنى الماس.و هذا الاختيار ذو الدّلالة سببُه،كما تقول، أنّها عَلمت أنّ المَاس،و هو من الأحجار الثّمينة، لا يمكن كَسْرُه إلاّ بواسطة ماس آخرَ مثله و أنّه مصنوع من عناصر طبيعيّة فقط.

و تتناول Diam’s في فيلمها الوثائقيّ ( سلام ) اللّحظات المؤلمة في حياتها بقلب مفتوح: حياة الشّهرة  و الأضواء و الضّغط الإعلاميّ و الانهيار العصبيّ و دخولها المصحّة العقليّة سنة 2008 و ملامستها للجنون و محاولات الانتحار و لحظات الشّكّ التي لا تنتهي و البحث الدّائم عن معنًى للحياة ثمّ إيمانها و اعتناقها الإسلام الذي حرّرها،كما تقول، و وجدت فيه أجوبة على كلّ سؤالاتها و ساعدها على اجتياز المحن الصّعبة في حياتها.

و تنقل Diam’s ، في هذا الفيلم الوثائقيّ، جوانب خفيّة من حياتها حين كانت آلامها تتضاعف و تزداد كلّما تصاعد نجاحها و زاد.و من المقاطع القويّة ذات الدّلالة الواردة في هذا الفيلم قولها: « كلّما مرّت الأيّام ازداد شعوري بالتّعثر و السّقوط اللاّمتناهي و الغَرَق و الوقوع في الفراغ. كان النّاس يُغنّون ويَلتقطون صُوَري و كانت الموسيقى الصّاخبة تَخنق نداء رُوحي التي كانت تَصرخ طلبًا للمساعدة.كان الجميع يُغنّي ويرقص و كانت الغرفة ممتلئة و لكن بالنّسبة لي كان كلّ شيء فارغًا: فارغًا مثل هذه الحياة التي كنت أعيشها (...) فارغة من كلّ معنى و محاطة بأُناس جَشعين و أموال و فتيات و أفكار غبيّة (...) تظاهرت بأنّي بخير لكنّني كنت أَفقد عقلي أكثر فأكثر و تناولت المزيد من الحبوب.لقد آذيت نفسي أكثر فأكثر ثم فكّرت في الموت أكثر فأكثر ».

إنّ الذي يَهمّ من وراء هذا العرض و هذه المقاطع هو الإشارة إلى طبيعة هذه الشّخصيّات التي تُؤْتَى القدرةَ على الانتقال من حال إلى حال بعد سياحات فكريّة مؤلمة أو تجارب عَقَديّة أو معاناة كبرى.و إنّ مثل هذه الشّخصيّات موجودة في كلّ المِلل و النِّحل و هي تستحقّ التّقدير و الاحترام.

و السّؤال هنا هو: كيف يستطيع إنسانٌ،و هو في هذا المقام امرأة، أن يُطلِّق الشّهرة و الأضواء و المكاسب و المال و كلّ ما يَنشأ عنها من فرص و كلّ ما توفّره من تسهيلات فيُغيِّر حياته تغييرًا جذريًّا حين يجد الحبّ و السّلام و السّكينة و الأمان و حين يجد معنًى لحياته فيُنتَشل من ضَياعه و يحقّق اصطلاحه مع الكون و العالم...؟ و يزداد هذا السّؤال إلحاحًا حين نعلم أنّ هذه القيم قد يضحّي بها كثير من النّاس،في كلّ زمان و مكان، حين يستبدلون الذي هو أدنَى بالذي هو خير.

إنّ هذا الانتقال الكبير في النّفس و الحياة التي تعيشه مثل هذه الشّخصيّات و تحقّقه له ثمنُه،أيضًا، و له تكاليفه و هو ليس أمرًا هيِّنًا و هو يتطلّب إرادة صلبة بل شجاعة كبرى و هذه الشّجاعة خلافًا للمألوف قد تكون،أحيانًا، أنثى.

الحوار: 29 ماي 2022 / العدد 4621

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/