الخميس، 24 ديسمبر 2020

تدجين الألم

 

الألم نَصيب مَقدور في حياة البشر و هو يَنقص و يزيد، في حياتهم ،و يَضعف و يتضاعف تَبعًا لمواقفهم و إراداتهم و تماشيًا مع إرادة الله القاهرة و حكمته العالية في التّقدير و التّدبير.

و أكاد أجزم أنّ الألم إذا كان يَهُدُّنا هدًّا،حينًا و أحيانًا، أو يَحرمنا و يَسلُبنا أوقاتًا و أزمانًا فإنّه،في المقابل، قد يُعلِّمنا و يَبْنينا و يُنْعشنا و يُحْيِينا و هو في كلّ الأحوال يَهَبُنا و يُعْطينا.

و يَجوز لي أنْ أبُوح،في هذا المقام، أنّي ما اكتشفتُ ذاتي و أعماقي و لم أتَجوّل بين العوالم و الأكوان إلاّ حين كان الألم صَهْوتي و وَقُودي و لم أحقّق الغَلَب و الانتصار إلاّ حين « زارني » هذا الألم،مرّة أو مرّات، فحرّرني و أغناني و علّمني و أحْياني و وَهَبني و أعطاني...

و إذا كان لا مَناصَ من الألم و لا مَنْدوحة من وَطأته و قَبْضته فإنّ تَدجين هذا الألم و مصاحبة آثاره و التّخفيف من غَلْوائها مُمكن و مَأمول.و لا شكَّ أنّ لكلّ واحد منّا أسلوبَه و وسائله في تدجين الألم و لكنّي أجزم أنّ أوّل خطوة جادّة في هذا الاتِّجاه هي الفرار إلى الله و الزَّلْف إليه و مداومة معيَّته التي لا تَبْلَى و لا  تَهون و لا تَخون.

تدجين الألم،إذنْ، مُستطاع و مأمول و لا تعيش إنسانيّتك كاملةً إلاّ حين يَعْصرك الألم عَصْرًا فيَغسل خَفاياك و حَناياك و يُزيل عنك كلّ صَدَإ و مَسْنُون و يستخرج أَعمقَ ما فيك و أثْبت و يُجْلِي أجْمل ما عندك و أطْهر فتَذوق ذلك المعنَى الجميل المُتعالي الذي أشار إليه محمّد إقبال في معاناته: إنّ الله علّمنا في حكمته أنّ انشراح الصّدر يَسْبقه ألَم.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللغة العربية.. إلى أين وصل حالها ؟

  https://arabicpost.net/opinions/2023/12/20/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-4/