الألم نَصيب مَقدور في حياة البشر و هو يَنقص و يزيد، في
حياتهم ،و يَضعف و يتضاعف تَبعًا لمواقفهم و إراداتهم و تماشيًا مع إرادة الله
القاهرة و حكمته العالية في التّقدير و التّدبير.
و أكاد أجزم أنّ الألم إذا كان يَهُدُّنا هدًّا،حينًا و
أحيانًا، أو يَحرمنا و يَسلُبنا أوقاتًا و أزمانًا فإنّه،في المقابل، قد يُعلِّمنا
و يَبْنينا و يُنْعشنا و يُحْيِينا و هو في كلّ الأحوال يَهَبُنا و يُعْطينا.
و يَجوز لي أنْ أبُوح،في هذا المقام، أنّي ما اكتشفتُ
ذاتي و أعماقي و لم أتَجوّل بين العوالم و الأكوان إلاّ حين كان الألم صَهْوتي و
وَقُودي و لم أحقّق الغَلَب و الانتصار إلاّ حين « زارني » هذا الألم،مرّة أو
مرّات، فحرّرني و أغناني و علّمني و أحْياني و وَهَبني و أعطاني...
و إذا كان لا مَناصَ من الألم و لا مَنْدوحة من وَطأته و
قَبْضته فإنّ تَدجين هذا الألم و مصاحبة آثاره و التّخفيف من غَلْوائها مُمكن و مَأمول.و
لا شكَّ أنّ لكلّ واحد منّا أسلوبَه و وسائله في تدجين الألم و لكنّي أجزم أنّ
أوّل خطوة جادّة في هذا الاتِّجاه هي الفرار إلى الله و الزَّلْف إليه و مداومة
معيَّته التي لا تَبْلَى و لا تَهون و لا
تَخون.
تدجين الألم،إذنْ، مُستطاع و مأمول و لا تعيش إنسانيّتك
كاملةً إلاّ حين يَعْصرك الألم عَصْرًا فيَغسل خَفاياك و حَناياك و يُزيل عنك كلّ
صَدَإ و مَسْنُون و يستخرج أَعمقَ ما فيك و أثْبت و يُجْلِي أجْمل ما عندك و أطْهر
فتَذوق ذلك المعنَى الجميل المُتعالي الذي أشار إليه محمّد إقبال في معاناته: إنّ
الله علّمنا في حكمته أنّ انشراح الصّدر يَسْبقه ألَم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق